صدى الواقع اليمني - كتب: يوسف اليامي

استيقظت منطقة السمسرة في مديرية الشمايتين بريف تعز صباح اليوم على مشهدٍ لم يكن في الحسبان، ولا خطر على بال أحدٍ من سكانها. هناك، في قلب الوادي الذي لطالما روى الحكايات القديمة، انقسمت شجرة الغريب—التي تجاوز عمرها الألفي عام—إلى نصفين، وكأنها انشقت عن سرٍ دفينٍ حملته طيلة قرون، وأفصح عنه أخيرًا بهدوءٍ مهيب.
ليست مجرد شجرة... بل كانت شاهدة على العصور، على الأجيال التي مرّت من تحتها، على القصص التي حكاها المسافرون والمتصوفة والعشّاق في ظلالها. كانت كتفًا يضع عليه أهل المنطقة حنينهم، وركنًا يأوون إليه حين تضيق الدنيا. جذعها المتفرع، أوراقها الكثيفة، وروحها الممتدة في الذاكرة، كل ذلك كان يجعل منها أكثر من مجرد كائن نباتي. كانت، باختصار، حيّة بمعنى التاريخ.
يقول كبار السن إن الشجرة لم تُمسّ بأذى طوال حياتهم، ولا حتى في أيام الجفاف أو الرياح العاتية. وقفت، كما لو أنها تحرس المكان، تُباركه، وتُربّت على قلبه بصمت. واليوم، ها هي تقف مقسومة إلى نصفين، كما لو أن الزمن نفسه قرر أن يكسر صمته، أو أن هناك شيئًا ما يُراد له أن يُقال بعد طول سكوت.
الناس تجمهروا حولها، بوجوه يملؤها الذهول، وبعضهم بالدموع. ليس من السهل أن ترى أحد رموزك يتصدع أمامك، بلا تفسير. لم تُسجل المنطقة زلزالًا، ولا عاصفة، ولا حريق. لا أثر لضرب أو نشر أو تدخل بشري. وكأن الشجرة اختارت أن تنشطر وحدها، لسبب لا نعلمه بعد.
الحادثة فتحت أبواب التساؤلات، بعضها منطقي، وبعضها محمّل بالخرافة. قيل إنها رسالة، أو نذير، أو علامة من الغيب. وقيل إنها بداية النهاية لعصر طويل من الصمت النباتي. أما من يعرفون "الغريب" عن قُرب، فآثروا الصمت... لأن الفقد أحيانًا لا يُحكى، بل يُحسّ.
شجرة الغريب لم تكن مجرد معلم أثري أو عنصر جذب سياحي. كانت ذاكرة قائمة، وقطعة من هوية الناس. رحيلها الجزئي ترك فراغًا في الروح، وفراغًا في المشهد، وكأن تعز فقدت شيئًا من نبرتها، من ملامحها القديمة.
تبقى الأسئلة معلقة، والقلوب مثقلة. هل هو فعل الطبيعة؟ أم سرّ من أسرار الكون؟ لا أحد يعرف، ولكن الجميع يشعر بأن ما حدث، أكبر من كونه مجرد انقسام شجرة.
إرسال تعليق