جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

وطني، ماذا بقيَّ منك؟

صدى الواقع اليمني: يوسف اليامي 


Published from Blogger Prime Android App

ماذا أبقيتَ لنا يا وطني؟
هل أبقيتَ لنا بعضَ الأحلام نختبئ بها من صقيعِ الواقع؟
أم أنكَ جففتَ ينابيعَ الأملِ، وكسرتَ كلَّ نوافذِ الضوء،
وتركتَنا نُحدّق في ظلامٍ لا آخر له؟

كُنا نحملُك في قلوبنا كما يُحملُ العاشقُ معشوقَه،
نرسمك في دفاترِ طفولتِنا، نحفظ نشيدك كما نحفظ أسماءنا،
نهتفُ بك في صباحاتِ المدارس، ونرسمُ علمكَ بأصابعِ الطباشير،
فكبرنا يا وطني… وكبرَ الحلم، ثم انكسرَ فجأةً تحت أقدامِ الخيبة.

أين نحن منك الآن؟
صرنا غرباء فيك، لا نعرفُ الشوارع التي كنا نلعبُ فيها،
صرنا نبحث عن أنفسِنا في زوايا الماضي،
نتلمّس صورَ الأحبة في وجوهٍ غادرت أو تغيّرت.

يا وطني،
أبكيتنا حتى جفّت دموعُنا،
أوجعتنا حتى صرنا لا نشعر بشيء،
ضيّعتنا في متاهاتٍ من صمتٍ وحرائق،
فأي حبٍّ هذا الذي لا يعرفُ سوى الغياب؟

هل تذكر كم صدّقناك؟
كم كتبنا عنك، وغنّينا لك،
وكم قلنا أن لا بيتَ لنا سواك؟
فإذا بكَ تطردنا من دفئك،
تجعلنا نحملُ أوطانَنا في جوازاتِ سفرٍ باردة،
وفي حقائبَ لا تتّسعُ لكل هذا الحنين.

قل لي،
لماذا جعلتَ من الحلمِ لعنة؟
لماذا صار الوطنُ خنجراً،
يُخفيه القريب ويطعنُ به قلبَ الغريب؟
لماذا أصبحتَ مرآةً مكسورة،
كلّما حاولنا النظر فيها، جُرحنا؟

يا وطني،
لم نعد نطلبُ الكثير،
مجرد لحظةُ دفء،
مجرد بيتٍ لا يسقطُ فوق رؤوسِ من فيه،
مجرد شارعٍ لا تنامُ فيه البنادق،
مجرد غدٍ لا يُولدُ ميتًا.

لكنّك تعبتَ منا كما تعبنا منك،
أو ربما لم تكن يومًا لنا،
ربما كنا نحلمُ أكثر مما يجب،
والحلمُ في أوطانٍ مثلك خطيئة…
لكننا ما زلنا نحملُك رغم الشوك،
نخبّئك في جراحِنا، ونغني لك في العتمة،
كأننا نخاف أن نفقد ما تبقّى منك،
كأننا نخاف أن نعترف أنك لم تكن يومًا كما تمنينا.

هل تعلم كم مرة متنا فيك ونحن أحياء؟
كم مرة أكلَنا القهرُ ونحن نبتسم؟
كم مرة أغمضنا أعيننا عن الحقيقة،
لأن الحقيقة كانت أقسى من الكذب؟
صرنا نخجل أن نقول "نحبك"
نقولها ونكتم فينا مرارة الخذلان،
كمن يحب قاتله لأنه لا يعرف سواه.

يا وطني،
هل تعرف معنى أن تصبح الذكرى وجعًا؟
أن يتحوّل الحنين إلى لعنة؟
أن يصبح اسمك جرحًا لا يندمل؟
صرنا نكتبك بدموعنا،
نرسمك بخيوط الغربة،
ونصلي أن يأتي يوم لا نخاف فيه منك،
ولا نخاف فيه عليك.

أتعلم؟
لسنا أوغادًا ولا خونة كما يقولون،
نحن أبناؤك الذين كسرهم غيابك،
الذين انتظروا يدك، فوجدوا الجدار،
الذين صرخوا باسمك، فابتلعتهم الفوضى.

نحن الذين مشوا في جنازتك كل يوم،
وكتبوا رثاءك في دفاترهم،
ولم يملكوا غير الصمتِ حصنًا،
وغير الصبرِ سلاحًا.

لكننا، رغم كل شيء، ما زلنا نكتب،
ما زلنا نحلم،
لأنك -يا وطني- لو كنت جرحًا،
فنحن من لحمك،
ولو كنتَ سجنًا،
فنحن قضبانه،
ولو كنتَ ذكرى،
فنحن من عاشها،
وسيبقى فينا بعضك،
رغماً عنك.




Post a Comment

أحدث أقدم