جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

حين أصبحنا الوحوش التي كنا نخافها

صدى الواقع اليمني - كتب: يوسف اليامي

الصحفي يوسف اليامي


كنا يومًا نؤمن أن الخير هو الأصل، أن الحب هو الفطرة، أن الرحمة تجري في عروقنا كما يجري الدم، لكننا أخطأنا. كنا نظن أن القسوة لا تأتي إلا من الغرباء، أن الطعنات لا تكون إلا من الأعداء، لكننا نسينا أن أكثر الجراح ألمًا هي التي تأتي ممن كنا نظنهم أهلًا للسلام. تغيرنا ببطء، دون أن نشعر، كنا نسير نحو الهاوية بخطوات هادئة، كنا نرتدي القسوة كما يرتدي أحدهم معطفًا في الشتاء، شيئًا فشيئًا، حتى صرنا نرتاح له، نألفه، نبرر وجوده في حياتنا، ثم أصبح جزءًا منا.

صرنا وحوشًا حين سمحنا للخوف أن يتحكم بنا، حين رأينا الظلم وسكتنا، حين سمعنا صراخ الضحايا وأدرنا وجوهنا. صرنا وحوشًا حين أصبحنا نحسد السعادة، ونفرح لفشل غيرنا، ونبتسم عند رؤية الألم في عيون الآخرين. لم تعد قلوبنا كما كانت، لم تعد أرواحنا تعرف معنى السلام، بتنا نحمل السكاكين في كلماتنا، ونزرع الأشواك في دروب بعضنا البعض. لم نعد نشعر، لم نعد نهتز عند رؤية الفاجعة، لم نعد نبكي عندما تسقط المدن، عندما تحترق البيوت، عندما يموت الأطفال بلا ذنب. كأن القسوة أكلت قلوبنا حتى آخر نبضة فيها.

أي عالم هذا الذي اعتدنا فيه على الخراب؟ كيف صار الدم مألوفًا إلى هذا الحد؟ متى أصبح القتل خبرًا عابرًا، لا يلفت انتباه أحد؟ كيف سمحنا للحياة أن تصبح بهذه البشاعة؟ لقد فقدنا إنسانيتنا يوم توقفنا عن التساؤل، يوم كففنا عن الغضب، يوم لم نعد نشعر بالعار عندما نرى الظلم يسير بجوارنا كأنه شيء طبيعي.

صرنا وحوشًا حين تعلمنا أن البقاء للأقوى، لا للأصدق، لا للأطيب، لا لمن يحمل في قلبه شيئًا من النقاء. صار الغدر مهارة، والخيانة ذكاء، والأنانية حقًا مشروعًا. لم يعد هناك من يكترث، لم يعد هناك من يقف ليقول: هذا يكفي.

لكن، هل ما زال هناك أمل؟ هل بقي شيء من النور وسط كل هذا الظلام؟ أم أننا أصبحنا مجرد كائنات متوحشة، تسير بلا هدف سوى النجاة، بلا شعور سوى اللامبالاة؟ هل بقي في داخلنا شيء من الرحمة لم يذبل بعد؟ أم أن الوحوش التي كنا نخافها ونحن صغار قد أصبحت نحن؟



Post a Comment

أحدث أقدم