صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي
بعد سنوات من محاولات الاحتواء الفاشلة والتعامل مع الحوثيين كطرف شرعي في المفاوضات، أدرجت الولايات المتحدة أخيرًا المليشيا كمنظمة إرهابية أجنبية، ليدخل القرار حيز التنفيذ في 4 مارس. هذا التصنيف جاء بعد إدراك متأخر بأن الحوثيين لم يكونوا يومًا طرفًا يسعى للسلام، بل أداة تخدم أجندات إقليمية ودولية، من طهران إلى موسكو، في مشروع يهدد الأمن الإقليمي والدولي.
لم تكن الخطوة الأمريكية مفاجئة لليمنيين، الذين طالما عانوا من إجرام المليشيا، لكن اللافت أن التصنيف جاء في وقت باتت فيه العلاقة الحوثية-الروسية تأخذ طابعًا أكثر خطورة، متجاوزة مجرد التنسيق السياسي إلى شراكة عسكرية واستراتيجية تتجلى في عمليات تهريب السلاح واستهداف السفن في البحر الأحمر، وفق خطة محكمة صاغها محور موسكو-طهران، مستخدمًا اليمن منصة لتوسيع نفوذه وضرب مصالح الغرب.
روسيا والحوثيون: من التحالف الظرفي إلى الشراكة العسكرية
لعبت موسكو دورًا خفيًا لكنه محوري في تعزيز نفوذ الحوثيين، مستغلة ضعف الرد الغربي على الجرائم الحوثية، ومستخدمة المليشيا كورقة ضغط في صراعها مع الغرب. ففي حين اعتقدت الدوائر الدبلوماسية أن الحوثيين يتحركون وفق أجندة إيرانية بحتة، كشفت تقارير استخباراتية عن دور روسي متزايد، خصوصًا بعد الغزو الروسي لأوكرانيا.
محمد عبدالسلام فليته: رجل الحوثيين في موسكو
كان لافتًا أن القائمة الأمريكية للعقوبات ضمت محمد عبدالسلام فليته، المتحدث الرسمي للمليشيا، الذي ظل لعقود يُقدَّم على أنه "وجه معتدل" يمكن التعامل معه سياسيًا. لكن الوثائق الأمريكية كشفت أن فليته لعب دورًا سريًا في تعزيز العلاقة مع روسيا، حيث سافر إلى موسكو تحت غطاء "وساطة يمنية"، بينما كان يعمل على ربط الحوثيين بالكرملين في شراكة قائمة على المصالح المشتركة:
لموسكو: دعم ميليشيا مسلحة تعطل الملاحة البحرية وتضغط على الغرب.
للحوثيين: الحصول على دعم عسكري ولوجستي يساعدهم في تجاوز العزلة الدولية.
شبكة تهريب السلاح: حلقة روسية-إيرانية تموّل حرب الحوثيين
تركزت العقوبات الأمريكية على الأفراد المتورطين في شبكات تهريب الأسلحة، والتي تعد العمود الفقري لاستمرار الحوثيين في الحرب. وتشير التقارير إلى أن تهريب السلاح لم يعد يمر فقط عبر إيران، بل أصبحت روسيا جزءًا من شبكة إمداد متطورة، تتضمن:
نقل شحنات أسلحة عبر البحر الأحمر تحت غطاء سفن تجارية روسية.
وجود خبراء عسكريين روس في صنعاء يقدمون تقنيات متطورة للحوثيين.
استخدام شبكات تهريب تشمل تجار أسلحة معروفين، مثل فيكتور بوت، الذي لعب دورًا في تمويل النزاعات عبر إفريقيا وآسيا.
أكدت وزارة الخزانة الأمريكية أن الحوثيين تلقوا معدات عسكرية متطورة، بينها تقنيات لتعقب السفن والطائرات المسيّرة، وهو ما يفسر دقة عملياتهم الأخيرة ضد السفن الغربية، مع إعفاء السفن الروسية والصينية من الهجمات، في تنسيق يؤكد وجود اتفاق سري بين الحوثيين وموسكو.
الحوثيون كأداة في الاستراتيجية الروسية بعد حرب أوكرانيا
بعد اندلاع الحرب الروسية-الأوكرانية، وجدت موسكو في الحوثيين فرصة لتعزيز نفوذها في الشرق الأوسط. فقد أدى العزل الغربي لروسيا إلى دفعها نحو توثيق علاقتها بإيران، وهو ما انعكس بشكل مباشر على الحوثيين.
موسكو، التي تواجه عقوبات دولية، تحتاج إلى نقاط نفوذ جديدة، والحوثيون يوفرون ورقة ضغط مثالية ضد الغرب.
إيران وجدت في روسيا شريكًا يعزز استراتيجيتها في دعم المليشيات، ما يعني مزيدًا من الدعم للحوثيين.
لم يعد الحوثيون مجرد "ذراع إيرانية"، بل أصبحوا جزءًا من منظومة تحالفات أوسع تشمل روسيا والصين، تسعى لتقويض النفوذ الأمريكي والغربي في المنطقة.
الاتجار بالبشر: مصدر تمويل جديد لصالح موسكو وطهران
بعيدًا عن تهريب السلاح، كشف تصنيف الحوثيين كمنظمة إرهابية عن مصدر تمويل جديد غير متوقع: الاتجار بالبشر.
وفق تحقيقات استخباراتية، يقود القيادي الحوثي عبدالولي الجابري شبكة منظمة لتجنيد اليمنيين تحت وعود زائفة بالعمل في روسيا، ليجدوا أنفسهم مقاتلين في حرب أوكرانيا. هؤلاء الشباب، الذين كانوا يعتقدون أنهم ذاهبون للعمل، تم إرسالهم إلى ساحات القتال كوقود لحرب بوتين، في صفقة قذرة تعكس مدى استغلال الحوثيين لأبناء اليمن لخدمة مصالح خارجية.
البحر الأحمر.. المختبر الجديد لأسلحة روسيا وإيران
أكدت التقارير أن الحوثيين، بدعم روسي-إيراني، يستهدفون السفن الغربية بشكل انتقائي، بينما يوفرون ممراً آمناً للسفن الروسية والصينية.
وفقًا لوثائق أمريكية، كان محمد علي الحوثي على اتصال مباشر بمسؤولين روس وصينيين لضمان هذا التنسيق، ما يؤكد أن عمليات الحوثيين لم تعد مجرد "ردود فعل" عشوائية، بل جزء من استراتيجية أكبر تعيد تشكيل النظام الإقليمي وفق أجندة موسكو وطهران.
يستخدم الحوثيون في هذه العمليات تقنيات روسية متطورة لتعقب السفن، إلى جانب طائرات مسيّرة إيرانية الصنع، وهو ما يجعل البحر الأحمر اليوم ساحة اختبار لأسلحة جديدة، تُستخدم تحت غطاء "مليشيا متمردة"، في استراتيجية حروب الوكالة التي أثبتت نجاحها في مناطق أخرى.
الغرب.. هل يستفيق من سذاجته؟
بعد سنوات من المراهنة على "احتواء الحوثيين"، أدرك الغرب أخيرًا أن المليشيا ليست سوى أداة تخدم أجندات خارجية، وأن أي مسار تفاوضي لم يكن سوى استراحة لإعادة تسليحهم.
التحدي الآن:
هل ستتخذ واشنطن وحلفاؤها خطوات أكثر جدية لكسر التحالف الحوثي-الروسي-الإيراني؟
هل سيستمر الغرب في سياسة "رد الفعل"، أم يتجه إلى استراتيجية استباقية توقف هذه التهديدات قبل أن تتوسع؟
المعركة لم تعد محلية.. بل جزء من صراع عالمي
لم يعد الصراع في اليمن مجرد حرب أهلية، بل أصبح جزءًا من حرب عالمية جديدة، تُخاض بأساليب هجينة، حيث تُستخدم المليشيات كأدوات لتنفيذ أجندات قوى كبرى. الحوثيون اليوم ليسوا مجرد تمرد محلي، بل تحولوا إلى رأس حربة في محور روسي-إيراني يسعى لضرب مصالح الغرب، وهو ما يتطلب استراتيجية جديدة تتجاوز الإدانات والعقوبات، إلى تحركات تضع حدًا لمليشيا أثبتت مرارًا أنها لا تفهم سوى لغة القوة.
إرسال تعليق