صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي
في شوارع تل أبيب وعلى خشبة المسرح وفي التجمعات الخاصة، يتردد صدى الأغنية اليمنية بصوت يهود اليمن في إسرائيل. يرقصون على إيقاع "يا سقى الله رعى الله"، ويتمايلون مع نغمات "ذكر المحبة بقلبي"، ويؤدون الأغاني التقليدية بحرفية عالية، وكأنهم لم يغادروا أزقة صنعاء أو تعز أو عدن.
لكن وسط هذا المشهد، تبرز أسئلة جوهرية: هل هذا التمسك بالغناء اليمني تعبير عن الحنين والارتباط بالوطن الأم، أم أنه محاولة لإعادة صياغة التراث الموسيقي اليمني ضمن هوية يهودية يمنية منفصلة؟ هل هو استمرارية للإرث الثقافي المشترك، أم محاولة لادعاء ملكيته في سياق ثقافي مختلف؟
أغنيات يمنية خالصة بأصوات يهودية يمنية
رصدت عدة مقاطع فيديو متداولة على منصات التواصل الاجتماعي مشاهد ليهود يمنيين في إسرائيل يؤدون الأغاني اليمنية بمهارة وإحساس واضح. إحدى هذه المقاطع تظهر ثلاث فتيات يهوديات يمنيات يرقصن في شوارع تل أبيب على أنغام أغنية "ذكر المحبة بقلبي من ينسيني"، بينما يظهر مقطع آخر لطفلة صغيرة في سيارة تتفاعل بحماس مع أغنية "وبجفانه رنا نحوي".
وفي مشهد آخر، يجتمع مجموعة من الشباب والفتيات اليهود اليمنيين لأداء الرقصة الصنعانية الشهيرة على أنغام "يا سقى الله رعى الله والمحبة من الله"، وسط إجادة لافتة للحركات التراثية الدقيقة التي تميز هذا النوع من الرقص. أما على خشبة المسرح، فتظهر فتاة ذات صوت عذب تغني "بنت اليمن ماحلاك"، وسط تفاعل حار من الجمهور.
اليهود اليمنيون في إسرائيل.. انتماء ثقافي أم استلاب تراثي؟
يرى كثير من الباحثين أن الأغنية اليمنية لم تكن يوماً حصرية لفئة دون أخرى، بل هي إرث يمني جامع شارك في صناعته المسلمون واليهود على حد سواء. لكن اللافت أن بعض يهود اليمن في إسرائيل يحاولون تصوير هذه الأغاني على أنها جزء من "الإرث اليهودي اليمني"، وليس مجرد امتداد للثقافة اليمنية العامة.
هنا تكمن الإشكالية، فبينما يصرّ البعض على أن هذه الأغاني جزء لا يتجزأ من الهوية اليمنية، يحاول آخرون إعادة تقديمها ضمن إطار ثقافي مختلف، ما يثير مخاوف بشأن إعادة تعريف هذا الإرث الموسيقي في سياق يبتعد عن جذوره الأصلية.
التراث الموسيقي اليمني.. هوية تتجاوز الحدود
لا شك أن يهود اليمن في إسرائيل، رغم عقود من الهجرة والاندماج في المجتمع الإسرائيلي، ما زالوا يحتفظون بجزء كبير من ثقافتهم الأصلية، ويتجلى ذلك بوضوح في استمرارهم بأداء الأغاني اليمنية بنفس اللهجة والمقامات والإيقاعات. وهذا في حد ذاته يؤكد أن الفن اليمني له جذور عميقة تتجاوز الحدود السياسية والجغرافية.
لكن المسألة هنا لا تتعلق بمجرد الحفاظ على التراث، بل بكيفية تقديمه للعالم. فهل يتم عرضه كجزء من التراث اليمني المتوارث، أم يتم توظيفه في إطار سردية جديدة تفصله عن سياقه الأصلي؟
من يملك التراث؟
يبقى السؤال مطروحاً: هل ما يفعله يهود اليمن في إسرائيل هو مجرد حنين إلى الوطن الأم، أم أنه محاولة لإعادة تشكيل الهوية الثقافية بما يتناسب مع واقعهم الجديد؟ هل يمكن اعتبار هذه الأغاني جزءاً من "تراث يهودي يمني"، أم أنها تظل جزءاً لا يتجزأ من التراث اليمني العام؟
مهما كان الجواب، يظل المؤكد أن الأغنية اليمنية ستبقى حاضرة في الذاكرة الجمعية، سواء في اليمن أو في المهجر، لأنها ليست مجرد ألحان وكلمات، بل هوية وروح لا يمكن اختزالها أو فصلها عن جذورها الحقيقية.
شاهد التقرير عبر الرابط التالي:
https://youtu.be/hxWHYzPC55U?si=7kj8hDDQiQ_8ok0e
إرسال تعليق