جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

التوحيد الأعظم: أسرار الشيخ أحمد بن علوان

صدى الواقع اليمني - كتب: حسين الشدادي


في فسيفساءٍ أدبيةٍّ متشابكةٍ تتراقصُ فيها ألوان الفكر والروح، ينبثق كتاب "التوحيد الأعظم: المبلغ من لا يعلم إلى رتبة من يعلم" كنصٍ تاريخيٍّ ودينيٍّ فريدٍ، ينقش على جدار الذاكرة الإسلامية حروفاً من نورٍ ورمادٍ، ويتحدى الزمن بجلال معانيه وإشاراته الدقيقة. 

هذا العمل الذي وُلدَ في قلب التراث اليمنيّ العتيق، يحاكي بتفصيلٍ صحفيٍّ مطولٍ مراحل تطوّر الفكر الصوفيّ والتوحيديّ، ممزوجاً بأسلوبٍ بلاغيٍّ استثنائيٍّ يمتدّ على مدى قرونٍ من التجارب البشرية والروحية.

من خلال فصوله المتقنة، نرى كيف يستحضر صفي الدين الشيخ أحمد بن علوان قدس الله سره – الذي حمل بين جنباته شذا التاريخ وروح السموّ – صورةً نابضةً بالحياة عن عالمٍ تكشف له أسرار الذات والكون، فيسبر أغوار الوجود ويتأمل في بواطن الحقائق المكنونة خلف اللفظ والمضمون. 

في هذه السطور، تتداخل الأبعاد الزمنية والمكانية في رقصةٍ معقدةٍ، إذ يُعيد الكتاب تأطير الروايات التاريخية والأدبية برؤية نقدية ثاقبة، مستعيراً من لغة الشعرّ وعمق النثر ما يكسب النص عمقاً وجلالاً يعبّر عن حالةٍ من السموّ الفكري والوجداني.

يتجلّى في هذا النص أدبٌ لا يرضى بالسطحية، إذ يُعانق فيه النقد الصحفيّ الأسلوب الراقي في تحليل الواقع الإسلاميّ، مستعرضاً مراحل تشكّل الفكر الديني والصوفيّ في اليمن، ومُظهراً كيف أن سردَ الأحداث التاريخية لم يكن مجرد سردٍ جافٍ، بل كان بمثابة لوحةٍ فنيةٍ معقّدةٍ رسمت ملامحها على ورقٍ ذي عُمقٍ فلسفيٍّ وروحيٍّ. 

وهنا يبرز التمازج بين العاطفة والموضوعية، بين الحس الأدبي والصرامة النقدية، في سردٍ يخلّد صورة الشاعر والفيلسوف والمفكر الذي يقف على مفترق طرق التاريخ، متأملاً في معاني التوحيد وكشوف أسرار العرفان.

لا يمكن أن نغفل عن تلك الهمسات التي تنساب من صفحات الكتاب، كأنها أنينُ أرواحٍ بحثت عن تجسيد الحق في زمنٍ تكتنفه الظلال والتحريفات.

 ففي كل كلمةٍ وكل جملةٍ نسمع صدىً لتلك الأصوات التي عاشت بين دفتيها الأزمنة؛ أصواتَ عرفانيةٍ رقيقةٍ، تتحدى القواعد الثابتة وتعيد صياغة المفاهيم بأسلوبٍ يمزج بين التجريب العلمي والروحانيات اللامحدودة. 

إن النص ليس مجرد كتابٍ دينيٍّ أو تاريخيٍّ؛ إنه مرآةٌ تعكس تداخل الحضارات وتفرد الهوية، ورحلةٌ فكريةٌ تتجاوز حدود الزمن والمكان لتُعيد للبشرية ذكاءها وجمالها المفقود.

كما يتجلى في هذا العمل دقةُ التحرير النقديّ، الذي لم يترك مجالاً للخطأ أو الإغفال، بل امتطى دروباً من التأمل الدقيق والتحليل الصحفيّ المطول، مستعيناً بالمصادر والمخطوطات التي تم جمعها عبر الزمن، لتضع بين يدي القارئ مصداقية لا تشوبها شائبة، وتفاصيل دقيقة تجعل من النص مرجعاً لا يُضاهى في دراسة الفكر الإسلاميّ وتاريخه في اليمن. 

وقد اتخذ صفي الدين الشيخ أحمد بن علوان من لغةً أدبيةً رفيعةً وسرداً معقداً من حيث البنية، ما يحفّز العقل ويُثير الفضول لدى الباحث عن معاني تستتيل خلف كل تفصيلةٍ من هذا التراث الثمين.

ويُعَدّ كتاب "التوحيد الأعظم: المبلغ من لا يعلم إلى رتبة من يعلم" بمثابة فسيفساءٍ أدبيةٍ روحيةٍ، تنسج بين خيوطها مفاهيمَ التوحيد والعرفان والتاريخ الإسلاميّ بمهارةٍ فذةٍ. 

إنه نصٌ يصعب فهمه على السطح، ولكنه عند التعمق فيه يفتح آفاقاً لا متناهيةً للتأمل والإبداع، ليرتقي بالقارئ إلى مرتبةٍ من العلم والفكر تُضيء له معالم طريقه نحو الذات والوجود. 

هنا، في هذا النص المعقد البديع، يكمن سرّ الأبدية؛ سرٌ يفوح عبقه عبر الزمان، ويظلُّ شاهداً على قدرة الكلمة على تخليد معاني سامية، تتحدى تقلبات الحياة وتبقى نقيةً كما كانت في ضياء أول الفجر.

Post a Comment

أحدث أقدم