جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

الصحافة في اليمن: الكلمة تحت قبضة البندقية

صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي

الصحافة في اليمن: الكلمة تحت قبضة الرصاص
الصحفي محمد دبوان المياحي

في سجن سري تابع لجماعة الحوثي بصنعاء، يُنزع صحفي يمني من زنزانته للتحقيق الليلي الثالث على التوالي، الضوء المبهر، الصراخ، وتهديدات بالقتل إذا رفض "الاعتراف" بنشر أخبار كاذبة.

هذه ليست مشاهد من فيلم، بل واقع يعيشه العشرات من الصحفيين اليمنيين منذ سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء عام ٢٠١٤.

القصة هنا ليست عن حرب بالأسلحة فحسب، بل عن معركة أخطر: السيطرة على الرواية.


من الصحافة الثورية إلى سجون الميليشيات – تاريخ موجز

عندما أطاح الانقلاب الجمهوري بالحكم الإمامي في شمال اليمن عام ١٩٦٢، كانت الصحافة سلاحاً ثورياً، الصحف مثل "الثورة" و"الجمهورية" حملت شعارات التحرر، لكنها تحولت لاحقاً إلى منصات للسلطة.

مع وحدة اليمن عام ١٩٩٠، انفتح المشهد الإعلامي: صحف معارضة، نقاشات حادة، وحتى انتقادات للرئيس السابق علي عبد الله صالح، لكن هذا "الربيع الصحفي" لم يدم.


الرقابة الخفية

  
رغم وجود ٨٠ صحيفة مسجلة رسمياً بحلول عام ٢٠٠٠، كانت السلطة تتحكم بالمحتوى عبر إدارة التوزيع والإعلانات، الصحفي محمد علي يروي: "كنا نكتب مقالات جريئة، لكنها تختفي فجأة من الأرشيف الرسمي!".  


حرب ٢٠١١: الإعلام في قلب العاصفة


مع الاحتجاجات الشعبية، تحولت الفضائيات اليمنية مثل "السعيدة" و"اليمن اليوم" إلى ساحات صراع، تقول الناشطة إخلاص القدسي: "كانت الكاميرا سلاحنا، صور القناصة على أسطح المنازل كسرت حاجز الخوف". لكن الانقسام السياسي بعد الحرب حوّل الإعلام إلى ميليشيات مسلحة بكاميرات.  



الحوثيون وصناعة الصمت – أدوات القمع


  
في يناير ٢٠١٥، داهمت جماعة الحوثي مبنى تلفزيون "اليمن اليوم"، وأغلقت القناة نهائياً، هذه كانت البداية لاستراتيجية منهجية:  

١.السيطرة المباشرة: 
   - مصادرة ١٥ منصة إعلامية، بما فيها صحف "الشارع" و"الأهالي".  
   - تحويل التلفزيون الرسمي إلى "قناة المسيرة" الناطقة بلسان الجماعة.  

٢. القانون سلاح:
   - إصدار "مرسوم حماية المشروع الثوري" عام ٢٠١٦، الذي يجرم أي انتقاد للجماعة تحت ذريعة "الخيانة".  
   - محاكمات هزلية: في ٢٠٢٢، حُكم على الصحفي عبد الكريم الخيواني بالسجن ٥ سنوات لأن تقريره كشف نقص الأدوية في مستشفيات صنعاء.  

٣. التعذيب كرسالة:  
   تقرير لمنظمة "مراسلون بلا حدود" يوثق ٤٧ حالة تعذيب ضد صحفيين بين ٢٠١٥-٢٠٢٣، منها:  
   - الصعق الكهربائي.  
   - التعليق من الأيدي لأيام.  
   - "غرفة الظلام" – عزل في زنازين تحت الأرض لشهور.  


حالة رمزية: محمد دبوان المياحي

 
في ٢٠ سبتمبر ٢٠٢٣، اعتقلت الجماعة المياحي بعد تغريدة تساءل فيها عن مصير مساعدات الأمم المتحدة، اليوم، يقبع في سجن الأمن السياسي بصنعاء، ممنوع من الزيارة حتى من محاميه. 

زوجته تقول بصوت مكتوم: "آخر رسالة له كانت على ورقة صغيرة مررها سجين أُطلق سراحه: أخبروا العالم أننا أحياء هنا".  



 فيسبوك – جبهة المقاومة السرية


رغم حجب الحوثي لمواقع مثل تويتر، تحول فيسبوك إلى الخندق الأخير للصحفيين. إحصاءات ٢٠٢٣ تُظهر:  

- ٨٥% من التقارير الحصرية عن الحرب تأتي عبر صفحات فيسبوك مجهولة.  
- هاشتاغ #اليمن_يتنفس_سراً وصل إلى ٢ مليون مشاركة خلال أسبوع.  



أساليب التهريب الإلكتروني


- "المنشور القنبلة": صحفيون ينشرون تقارير عبر حسابات وهمية، ثم يحذفونها خلال ٥ دقائق قبل رصدها.  
- "التشفير باللهجة المحلية": استخدام مصطلحات خاصة مثل "الزبيب" للإشارة إلى الأسلحة.  

لكن المخاطر تتصاعد: في ٢٠٢٢، اخترقت الجماعة ٣٢ حساباً لصحفيين عبر برامج تجسس إيرانية الصنع.  



 العالم ينظر – صمت دولي أم تواطؤ؟

  
رغم إدانة الأمم المتحدة، يرى مراقبون أن المجتمع الدولي يتعامل بازدواجية:  



النفط مقابل الصمت


  تقارير استخباراتية تشير إلى صفقات سرية بين دول غربية والحوثيين لضمان استمرار تدفق النفط عبر مضيق باب المندب.  


اللاجئون الصحفيون: منفى بلا حماية


  أكثر من ١٢٠ صحفياً يمنياً فروا إلى تركيا والأردن، لكن ٦٠% منهم يعيشون دون تأمين صحي أو عمل قانوني، الصحفية شذى أحمد (مغادرة منذ ٢٠١٨): "نُهرب تقاريرنا عبر أصدقاء في دول أخرى، لأن منظمات الإغاثة ترفض نشر أي شيء يغضب الحوثيين".  



عندما يكتب السجين قصته بقلم الرصاص


مذكرات الصحفي الراحل حسين العبري (توفي تحت التعذيب ٢٠٢١)، التي هُرّبت من سجن الأمن السياسي، تكشف:  

- السجناء يُجبرون على ترديد أناشيد تمجد الحوثيين ٥ مرات يومياً.  
- صحفيون يكتبون على الأوراق بقلم رصاص خبأوه في ملابسهم الداخلية.  
- إضرابات عن الطعام قادها الصحفيون عام ٢٠٢٠ اضطرت الجماعة للسماح بزيارات عائلية قصيرة.  



 هل ينطفئ الأمل؟


 
بين اليأس والصمود، ثمة إشارات ضوئية خافتة:  

١. صحافة تحت الأرض: 
   شبكة "أصوات اليمن السرية" – منصة إخبارية يديرها ٧ صحفيين من مخبأ تحت منزل في تعز، تصل تقاريرهم إلى ٣٠٠ ألف قارئ شهرياً عبر تطبيق Signal.  

٢. الجيل الجديد: كاميرات الهواتف أقوى من الدبابات
  
   شباب يمنيون يوثقون الانتهاكات عبر TikTok بأساليب إبداعية:  
   - مقاطع مصورة كـ "فيديوات طهي" تظهر في الخلفية تجنيد أطفال.  
   - أغاني راب مشفرة تنتقد الفساد.  

٣. المحاكم الدولية: بطء معاقبة الجلادين 
   في ٢٠٢٣، قبلت المحكمة الجنائية الدولية أولى القضايا ضد قيادات حوثية بتهمة "اضطهاد الصحفيين"، لكن الإجراءات قد تمتد لعقد.  



 هل يُكتب الفصل الأخير؟

 
السيناريو الأكثر قتامةً يقول إن ٧٠% من الصحف اليمنية ستختفي بحلول ٢٠٣٠ إذا استمر القمع، لكن التاريخ يعلمنا أن قلماً يكتب من تحت الأنقاض قد يهزم أعتى الجيوش، كما كتب الشاعر اليمني عبد الله البردوني: "سيأتي يومٌ تُقرأ فيه الحروف التي خططناها بدماء الأعناق".  



أرقام صادمة


- ١٣٤ صحفياً في السجون الحوثية (حتى يناير ٢٠٢٤).  
- ٨٩% من اليمنيين يعتمدون على وسائل التواصل للحصول على الأخبار.  
- ٣ صحف فقط تطبع ورقياً في صنعاء اليوم، جميعها تتبع الجماعة.  

Post a Comment

أحدث أقدم