جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

دراما رمضان 2025... أضواء تعز تسطع على الشاشات


صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي


دراما رمضان 2025... أضواء تعز تسطع على الشاشات
بوستر مسلسل الجمالية


  
وسط أنقاض المباني المدمرة وأصوات القذائف التي ما زالت تدوي في الأفق، تعلو ضحكات الممثلين على مواقع التصوير في تعز، المدينة اليمنية التي تحولت إلى عاصمة غير معلنة للدراما والفنون، هنا، حيث تلتقي جبال السروات بالسهول الخصبة، تُكتب قصة مقاومة ثقافية فريدة؛ مقاومة بالكاميرات والفرشاة والكلمة.  

في يناير 2025، تجولنا بين شوارع تعز التي تنبض بالحياة رغم الحرب، لنكتشف كيف استطاعت هذه المدينة أن تصنع من الرماد نهضة درامية وفنية تخطف أنظار اليمنيين، وتُعيد تعريف المشهد الثقافي في بلد أنهكته الصراعات.


 الدراما اليمنية... من الهامشية إلى التألق: تطور كمي ونقد جماهيري

  
شهدت السنوات الأخيرة قفزة في عدد الأعمال الدرامية اليمنية، حيث ارتفع الإنتاج من 8 مسلسلات في 2020 إلى 12 في 2022، وفقًا لإحصاءات اتحاد المنتجين اليمنيين.

 لكن الكم وحده لم يُرضِ الجمهور، الذي يشكو من تكرار الموضوعات وضعف الجودة الفنية. "المشاهد صار ناقدًا محترفًا"، يقول المخرج وليد العلفي، الذي يرى أن السبب يعود لانفتاح الجمهور على الدراما العربية والعالمية عبر المنصات الرقمية.  


تحديات صناعة الدراما في اليمن

  
تواجه الصناعة معوقات تتمثل في نقص التمويل: معظم الأعمال تعتمد على تبرعات رجال الأعمال أو دعم القنوات الفضائية.  

كما أن استوديوهات التصوير شبه معدومة، والاعتماد كليًّا على المواقع الطبيعية. 

إلى ذلك فإن تجنب الكثير من الكتاب تناول قضايا سياسية حساسة خوفًا من ردود الفعل.  



 تعز... عندما يصبح الفن مقاومة


رغم أن العاصمة صنعاء كانت المركز التقليدي للإنتاج الفني، إلا أن تعز – التي تبعد 260 كم جنوبًا – نجحت في السنوات الأخيرة في جذب معظم المشاريع الدرامية، ناقشنا هذا التحول مع د. فاطمة عبدالله، أستاذة علم الاجتماع بجامعة تعز، التي ترجع السبب إلى:  

المناخ الأمني النسبي حيث سيطرت القوات الحكومية على المدينة منذ 2023، ما وفر بيئة مستقرة مقارنة بمناطق الصراع. 
 
كذلك الدعم المحلي غير المسبوق: "أصبحت الشرطة تساهم في تأمين مواقع التصوير، وبعض الضباط يشاركون ككومبارس".  

الإرث الثقافي: تاريخ تعز ك عاصمة للدولة الرسولية (القرن 13-15م) خلق وعيًا مجتمعيًّا بأهمية الفنون.  


مقابلة خاصة مع المخرج المصري عبدالعزيز حشاد 

 
"لم أتخيل أن أجد في اليمن هذا الكم من المواهب الخام"، يقول المخرج المصري الذي يشارك في إخراج مسلسل طريق إجباري، مضيفًا: "تعز تذكرني بالإسكندرية في سبعينيات القرن الماضي... بسحرها القديم وشغف أهلها بالفن".



 المشهد الثقافي في تعز... فنون تتحدى الموت

 
  
في معرض كلية الآداب يناير 2025، وقفت اللوحة التي رسمها الطالب علي حسن (19 عامًا) لتُصدم الزوار: امرأة تمسك بيدها مصباحًا وسط مدينة مدمرة، مكتوب تحتها: "الحرب لن تطفئ نورنا". يقول علي: "نريد أن نثبت أن جيلنا قادر على البناء رغم كل شيء".  


اليونسكو وإعادة إحياء التراث


بالتعاون مع منظمة اليونسكو، يجري ترميم 15 مبنًى تاريخيًّا في تعز، منها قلعة القاهرة التي تعود للقرن 12. المهندس محمد قاسم، المشرف على المشروع، يشرح: "الترميم ليس مجرد إعادة حجارة، بل حماية للهوية اليمنية".  


مسرح الجند: عندما يصبح الخشبة منبرًا للسلام

 
منذ تأسيسه عام 2023، قدّم المسرح 12 عملًا، أشهرها مسرحية "الجدار" التي تحكي عن جندي يمني وحوثي يفصل بينهما جدار أثناء المواجهات، ليُكتشف في النهاية أنهما أخوان، الممثل أحمد ناصر يقول: "الجمهور يبكي في كل عرض... الفن وحده قادر على كسر حواجز الكراهية".



 دراما رمضان 2025... أضواء تعز تسطع على الشاشات

  
استعدادًا للشهر الفضيل، تعج مواقع التصوير في تعز بنشاط غير مسبوق، نستعرض أبرز الأعمال المتوقعة:


 مسلسل "الجمالية"

  
قصة القرية التي تُشبه الوطن، تدور الأحداث في قرية نائية بتعز، حيث تتصاعد الخلافات بين عائلتين بسبب مشروع مياه، ليكشف الصراع عن أزمات اجتماعية عميقة.  


كواليس التصوير


 التقطت الكاميرات مشهدًا جماعيًّا لأهالي القرية الحقيقية وهم يشاركون ك ممثلين، في إيماءة لتوثيق الحياة الريفية.  


 مسلسل "طريق إجباري"

 
السيناريو الأكثر غموضًا، رغم عدم الإفصاح عن التفاصيل، تؤكد مصادر مقربة من العمل أنه يتناول قضية "الأطفال الجنود" عبر قصة شاب يُجبر على الانضمام للميليشيات. 
 
التحدي اللوجستي: فريق العمل اضطر لبناء ديكور كامل لقرية دمرتها الحرب في ساحة مهجورة، باستخدام أنقاض مباني حقيقية.  


مسلسل "دروب المرجلة – الجزء الثاني"

  
استكمال النجاح: بعد تفاعل جماهيري كبير مع الجزء الأول، يعود العمل ليطرح إشكالية "الشهامة في زمن الانقسام" عبر قصة شيخ قبيلة يحاول مصالحة أبناء منطقته. 
 
تعليق المخرج وليد العلفي: "الجزء الثاني أكثر جرأة... سنكشف كيف تُستغل القيم النبيلة لأجندات سياسية".  


مسلسل "دكتور خاص" الغموض والإثارة


 التقينا بالنجم عمر أحمد، الذي يلعب دور طبيب جراح يُجبر على العمل في عيادة سرية، قائلًا: "سيفاجئ المسلسل الجمهور بنهاية غير متوقعة".  



مسلسل"ممر آمن" الأكثر طموحًا


 العمل الذي تبلغ تكلفته 300 ألف دولار (ميزانية ضخمة بالمعايير اليمنية)، صور مشاهد_action في الساحل الغربي الخطير، باستخدام معدات محلية الصنع.  



 التحديات... عندما يعترض الواقع أحلام الشاشة

 
رغم النجاحات، تواجه الصناعة عقبات جادة:  
انقطاع الكهرباء تجبر المنتجين إلى استخدام مولدات تستهلك 40% من الميزانية.  
ونقص الكوادر الفنية تُستورد معظم معدات الإضاءة والصوت من مصر عبر رحلات شاقة.  
التمويل المشروط بعض الرعاة يفرضون تعديلات درامية لخدمة مصالحهم.  

قصّة مؤثرة


الممثلة سمية علي تروي كيف تعرضت للتهديد بسبب دورها في مسلسل ينتقد العنف القبلي، قائلة: "لكنني أصررت على الاستمرار... الفن مسؤوليتنا نحو المستقبل".



 هل تُصلح الدراما ما أفسدته الحرب؟

ك متابع للمشهد الثقافي اليمني لعقدٍ من الزمن، أرى في نهضة تعز الفنية إجابةً على سؤال مركزي: كيف تُبنى الأمم؟ فبينما تُشيد الحكومات الدول بالحديد والأسمنت، تُبنى الهويات بالكلمة والصورة.  

هذه المدينة التي اختارت أن تقاوم بالجمال، تقدم درسًا في "القوة الناعمة"؛ فالفنون هنا ليست ترفًا، بل سلاحًا ضد التطرف ووسيلةً لإعادة اللحمة الاجتماعية. 

صحيح أن التحديات جسيمة، لكن الإرادة التي رأيتها في عيون شباب تعز تُثبت أن الثقافة يمكن أن تكون خندقًا أخيرًا للكرامة الإنسانية.  

في الختام، أقول للعالم: انظروا إلى تعز لا كميدان حرب، بل ك واحة إبداع تزرع الأمل في أرضٍ يباب، ولو قدّر لي أن أختتم بكلمات المخرج الراحل علي باكثير (ابن تعز الأشهر): "إنما تُقاس حضارات الأمم بآثار فنونها، لا بآثار حروبها".

Post a Comment

أحدث أقدم