صدى الواقع - تقرير: حسين الشدادي
في خضم الحرب المستعرة في اليمن منذ ما يقارب العقد، تبرز قضية المهمشين كواحدة من أكثر القضايا الإنسانية إلحاحاً وإهمالاً.
فبينما تشتد وطأة الصراع على جميع فئات المجتمع اليمني، تظل فئة المهمشين – سيما النساء والفتيات – الأكثر عرضة للقمع والاستغلال والعنف الممنهج.
هؤلاء النساء، اللواتي يُطلق عليهن "المهمشات"، يعانين من انتهاكات جسيمة لحقوقهن الإنسانية، بدءاً من التحرش الجنسي والاعتداءات، وصولاً إلى التمييز العنصري والاجتماعي الذي يمنعهن من الوصول إلى العدالة.
هذا التقرير يستكشف معاناة المهمشات في اليمن، مستنداً إلى مقابلات مع نشطاء محليين، باحثين، محامين، مسؤولين أمنيين، وقضاة، بالإضافة إلى شهادات مباشرة من أفراد من فئة المهمشين في محافظات تعز، وأبين،و عدن، والضالع.
كما يعتمد التقرير على تقارير إعلامية ودراسات سابقة لتسليط الضوء على هذه القضية المهمشة.
السياق التاريخي والثقافي: اضمحلال الحماية القبلية
قبل اندلاع الحرب، كانت العلاقة بين القبائل اليمنية وفئة المهمشين تحكمها أعراف قبلية توفر حداً أدنى من الحماية لهذه الفئة الهشة. فالمهمشون، الذين يعملون غالباً في مهن متدنية الدخل مثل كنس الشوارع أو البيع المتجول، كانوا يعتمدون على هذه الحماية لتأمين حياتهم اليومية.
لكن مع تصاعد الصراع، بدأت هذه الأعراف تتهاوى، مما فتح الباب أمام انتهاكات واسعة بحق المهمشين، وخاصة النساء.
يقول الشيخ علي القبلي، أحد زعماء القبائل في محافظة تعز: "الحرب غيرت كل شيء. لم يعد هناك احترام للأعراف القديمة التي كانت تحمي المهمشين.
اليوم، أصبحت هذه الفئة عرضة للاستغلال من قبل الجميع، بما في ذلك بعض أفراد القبائل أنفسهم".
العنف الجنسي والاستغلال: جرائم بلا عقاب
تشير التقارير إلى تزايد حالات الاعتداء الجنسي على المهمشات، سواء من قبل أفراد مسلحين تابعين لأطراف النزاع، أو من قبل رجال قبليين يستغلون وضعهن الهش. ففي ظل انهيار النظام الأمني والقضائي، أصبحت هذه الجرائم تُرتكب بإفلات تام من العقاب.
تقول فاطمة (اسم مستعار)، وهي شابة من فئة المهمشين في محافظة عدن: "كنت أعمل في بيع الماء عندما تعرضت للاعتداء من قبل رجل مسلح.
عندما ذهبت إلى الشرطة، لم يأخذوا شكواي على محمل الجد. بل قالوا لي إنه لا يوجد دليل كافٍ لملاحقة المعتدي".
هذه القصة ليست فريدة من نوعها.
فالكثير من المهمشات اللواتي يتعرضن للاعتداءات الجنسية يجدن أنفسهن عاجزات عن الوصول إلى العدالة، بل إن بعضهن يتعرضن للابتزاز من قبل أفراد أسرتهن أو من قبل المسؤولين أنفسهم.
انهيار النظام الأمني والقضائي: غياب العدالة
أحد الأسباب الرئيسية لتفاقم معاناة المهمشات هو انهيار النظام الأمني والقضائي في اليمن. ففي ظل الحرب، أصبحت السلطات غير قادرة على إنفاذ القانون، مما أدى إلى انتشار الفوضى وازدياد الانتهاكات بحق الفئات الهشة.
يقول المحامي أحمد الخضر، الذي يعمل على قضايا حقوق الإنسان في اليمن: "القضاء اليمني يعاني من تمييز عنصري واجتماعي عميق.
فالمهمشون، وخاصة النساء، لا يحصلون على نفس الحقوق التي يحصل عليها الآخرون. حتى عندما تصل قضاياهم إلى المحاكم، غالباً ما يتم تجاهلها أو تأجيلها إلى أجل غير مسمى".
العنصرية والتمييز: جذور الأزمة
تستند معاناة المهمشات إلى جذور عميقة من العنصرية والتمييز الاجتماعي في اليمن. فبالرغم من أن الدستور اليمني ينص على المساواة بين جميع فئات المجتمع، إلا أن الواقع يختلف تماماً.
فالمهمشون يعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية، مما يجعلهم عرضة للاستغلال والانتهاكات.
تقول الباحثة الاجتماعية د. منى السقاف: "العنصرية ضد المهمشين متجذرة في المجتمع اليمني.
فهم يعانون من وصمة اجتماعية تجعلهم عرضة للتمييز في جميع جوانب الحياة، بما في ذلك التعليم، الصحة، والعمل".
نداءات للعمل: حماية المهمشات وإنصافهن
في مواجهة هذه الانتهاكات، يطالب نشطاء حقوق الإنسان والمجتمع الدولي باتخاذ إجراءات عاجلة لحماية المهمشات وإنصافهن. من بين هذه الإجراءات:
تعزيز آليات الحماية:
يجب إنشاء آليات حماية خاصة لفئة المهمشين، بما في ذلك توفير مأوى آمن للنساء والفتيات المعرضات للخطر.
تحسين الوصول إلى العدالة:
يجب دعم النظام القضائي في اليمن لضمان أن تحصل المهمشات على العدالة عند تعرضهن للانتهاكات.
زيادة الوعي المجتمعي:
يجب تنظيم حملات توعية لمكافحة العنصرية والتمييز ضد المهمشين، وتعزيز ثقافة المساواة والعدل.
دعم المنظمات المحلية:
يجب توفير الدعم المالي والفني للمنظمات المحلية التي تعمل على حماية حقوق المهمشين وتمكينهم.
صوت لمن لا صوت له
معاناة المهمشات في اليمن هي قصة مأساوية تعكس فشل النظام الاجتماعي والسياسي في حماية أكثر الفئات ضعفاً.
ففي ظل الحرب، أصبحت هذه الفئة عرضة لانتهاكات جسيمة، بدءاً من العنف الجنسي، وصولاً إلى التمييز العنصري والاجتماعي.
لكن هذه القصة ليست حتمية. فمن خلال العمل الجماعي والضغط المستمر، يمكن تحقيق العدالة لهؤلاء النساء وإنهاء معاناتهن.
فالمهمشات في اليمن ليسن مجرد ضحايا، بل هن ناجيات يستحقن العيش بكرامة وأمان.
إرسال تعليق