صدى الواقع - تحليل: حسين الشدادي
في تطور لافت يعكس تصاعد التوترات الإقليمية، نفى مصدر مصري مسؤول، الأحد، التقارير الإعلامية الإسرائيلية التي زعمت استعداد القاهرة للتدخل عسكريًا في اليمن لمواجهة تهديدات جماعة الحوثي. وأكد المصدر أن هذه التقارير التي تحمل معلومات مضللة لا أساس لها من الصحة، وفقًا لتصريحات خاصة لمراسل قناة "الحرة" في القاهرة.
محاولات إقحام مصر في الصراع اليمني
التقارير الإسرائيلية، التي لم تُحدد مصادرها، ادّعت وجود ضغوط دولية متزايدة على مصر لتولي دور أكثر فاعلية في وقف هجمات الحوثيين المتكررة على السفن العابرة للبحر الأحمر. هذه الهجمات، التي تُشكل خطرًا على حركة التجارة العالمية، أثرت بشكل مباشر على إيرادات قناة السويس، حيث تكبّدت مصر خسائر بلغت نحو 7 مليارات دولار خلال عام 2024، أي ما يزيد عن 60% من إيرادات القناة مقارنة بالعام السابق.
الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي أكد في تصريحات حديثة هذه الخسائر، مشيرًا إلى أن الهجمات الحوثية أثرت بشكل غير مسبوق على الاقتصاد المصري الذي يعتمد بشكل كبير على عائدات قناة السويس.
الحوثيون وتصعيد الحرب الاقتصادية
تشير التقارير إلى أن جماعة الحوثي شنت ما يقارب 100 هجوم على سفن تجارية في البحر الأحمر منذ نوفمبر 2024، في حملة تزعم الجماعة أنها لدعم الفلسطينيين في صراعهم مع إسرائيل. هذه الادعاءات، التي تبدو دعائية بحتة، لا تُخفي الحقيقة الواضحة بأن الحوثيين يستهدفون الاقتصاد العالمي بتوجيه إيراني واضح.
الهجمات أجبرت شركات الشحن الكبرى على تغيير مسار سفنها من قناة السويس إلى طريق رأس الرجاء الصالح، مما زاد من التكاليف وأخر عمليات التسليم. هذا التحول أضر ليس فقط بمصر، بل بجميع الدول التي تعتمد على القناة كمسار استراتيجي لحركة التجارة العالمية.
إيران والدور الخفي
دور إيران في تأجيج هذه التوترات لا يمكن تجاهله. الجماعة الحوثية، التي تُعتبر أداة إيرانية في اليمن، تواصل تنفيذ أجندة طهران لتوسيع نفوذها الإقليمي عبر تعطيل التجارة الدولية وتهديد الممرات البحرية الاستراتيجية.
الهجمات على السفن تتزامن مع تصعيد إيراني واسع النطاق ضد دول المنطقة، وهو ما يُشير إلى رغبة طهران في خلق حالة من الفوضى تخدم مصالحها السياسية والاقتصادية. إيران تسعى إلى تقويض الأمن البحري العالمي في إطار حربها غير المباشرة مع الغرب وحلفائه الإقليميين.
مصر: بين التهديدات والحلول
مصر، التي تُعتبر واحدة من أكبر القوى الإقليمية، تجد نفسها في موقف حرج نتيجة هذه التوترات. وعلى الرغم من النفي القاطع لوجود أي خطط للتدخل العسكري في اليمن، إلا أن القاهرة تُظهر قلقًا متزايدًا إزاء الهجمات الحوثية وتأثيرها المباشر على قناة السويس.
دبلوماسيًا، تعمل مصر مع الشركاء الإقليميين والدوليين للبحث عن حلول تُعيد الاستقرار إلى البحر الأحمر وتضمن سلامة الممرات المائية. ويُتوقع أن تواصل القاهرة الضغط على المجتمع الدولي لاتخاذ موقف حازم ضد الحوثيين وداعميهم في طهران.
دعوة للتكاتف الإقليمي والدولي
في ظل هذه التحديات، يتطلب الموقف الراهن تكاتفًا إقليميًا ودوليًا لمواجهة التهديدات الحوثية. الدول العربية، خاصة تلك المطلة على البحر الأحمر، بحاجة إلى تحالف بحري قوي يحمي مصالحها الاقتصادية ويُحافظ على أمن الممرات المائية.
على الصعيد الدولي، يجب على القوى الكبرى، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، اتخاذ خطوات جادة لوقف الهجمات الحوثية ومعاقبة إيران على دورها التخريبي. التجارة العالمية لا يمكن أن تبقى رهينة لمليشيات مسلحة تُنفذ أجندات إقليمية تهدد استقرار المنطقة بأسرها.
وتصاعد الهجمات الحوثية على السفن العابرة للبحر الأحمر، والضغط الدولي على مصر للرد، يكشفان خطورة الأوضاع الإقليمية. القاهرة، التي تنفي نيتها التدخل العسكري، تواجه تحديًا استراتيجيًا يتطلب حشد الجهود الإقليمية والدولية لوقف التهديدات وضمان أمن التجارة العالمية. ومع استمرار طهران في دعم الحوثيين، يبقى الأمن البحري في المنطقة على المحك، مما يستدعي استجابة حازمة وشاملة من المجتمع الدولي.
إرسال تعليق