صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي

في منطقة يفرس، الواقعة في مركز مديرية جبل حبشي بمحافظة تعز، تقف شجرة الغريب شامخةً كأحد أقدم الشواهد الحية على عمق التاريخ البيئي والطبيعي في اليمن، حيث يقدّر عمرها بأكثر من ألفي عام، مما يجعلها واحدة من أندر الأشجار المعمّرة في الجزيرة العربية. وبرغم عظمتها وأهميتها التاريخية والبيئية، إلا أن هذه الشجرة تعيش اليوم في عزلة مؤلمة وتهميشٍ مخزٍ، بعيداً عن عدسات الإعلام واهتمام السلطات والجهات المعنية.
الشقيقة المنسية
مقارنة بشجرة الغريب الأخرى في منطقة السمسرة بمديرية الشمايتين – والتي نالت شهرة واسعة واهتماماً محلياً وبيئياً، قبل أن تتعرض مؤخراً لانفلاق نصفي في جذعها نتيجة الإهمال وتقلبات الطقس – تبدو شجرة يفرس وكأنها ضحية صمتٍ مزدوج: صمت المسؤولين وصمت المجتمع المحلي.
ورغم أن شجرة الغريب في يفرس تفوق أختها في السمسرة من حيث القِدم، وتعتبر ثاني أقدم شجرة من نوعها في اليمن وربما في شبه الجزيرة، إلا أن قلة من الناس يعلمون بوجودها، وكأنها كنز دفين يوشك أن يُمحى من الذاكرة الجمعية.
تاريخ غائر في الجذور
بحسب الأهالي، فإن شجرة الغريب في يفرس كانت منذ مئات السنين معلماً طبيعياً يقصده العابرون للتظلّل تحتها، ومحطةً تقليدية في مسارات القوافل القديمة. وتتناقل الأجيال حكايات عن مكانتها في وجدان الناس، حيث كانت تُعامل باحترامٍ خاص، ويُعتقد أن لها قدسيةً روحية في بعض الروايات الشعبية.
خطر الاندثار
ما يبعث على القلق أن هذه الشجرة، مثل غيرها من المعالم الطبيعية في اليمن، تواجه خطر الاندثار بسبب الإهمال البيئي، وتغيّر المناخ، والتمدد العمراني غير المنظم، بل وحتى الرعي الجائر وقطع الأغصان لاستخدامها في الحطب. ومما يزيد الأمر سوءاً، غياب أي تصنيف رسمي لها كموقع بيئي تراثي يستوجب الحماية.
دعوة لإنقاذ الشجرة
من منطلق المسؤولية الإعلامية والمجتمعية، نرفع هذا النداء العاجل إلى الجهات التالية:
الهيئة العامة لحماية البيئة
مكتب الزراعة في تعز
السلطة المحلية في مديرية جبل حبشي
المنظمات البيئية المحلية والدولية
ونطالبهم بإجراء مسح ميداني عاجل لتوثيق الشجرة وتصنيفها رسمياً ضمن المعالم الطبيعية التاريخية، وإطلاق حملة توعية لأبناء المنطقة لحمايتها، وإدراجها ضمن المسارات السياحية البيئية إن توفرت الظروف المناسبة.
شجرة الغريب في يفرس ليست مجرد جذع وأغصان، إنها شاهد حي على ذاكرة الطبيعة اليمنية، وصمتنا عنها اليوم سيكون وصمة على جبيننا غداً. فهل نتحرك لإنقاذها قبل أن تلحق بشقيقتها التي انقسمت؟ أم نبقى مكتوفي الأيدي حتى تُضاف إلى قائمة ما فقدناه في خضم الحروب والإهمال؟
إرسال تعليق