صدى الواقع اليمني - كتب: يوسف اليامي
هل نسير في درب واضح، أم أننا مجرد عابرين في طريق بلا معالم، بلا اتجاه، بلا ضوء يدلّنا على الوجهة الصحيحة؟ هل أصبحنا مجرد بيادق في رقعة شطرنج يحركها من يشاء، كيفما يشاء، وقتما يشاء؟ لماذا استسلمنا لهذه الفوضى، لماذا نغرق في بحر التيه ولا نحاول حتى السباحة للخروج منه؟ لماذا نلقي بأنفسنا إلى الهاوية بأيدينا، لماذا نختار الصمت في وقتٍ أصبح فيه الكلام ضرورة للبقاء؟
كيف تحوّلت بلادنا من أرضٍ زاخرة بالحياة إلى مقبرة مفتوحة، لا تعرف سوى وداع الأحبة، لا تجيد سوى احتضان الأجساد الممزقة؟ كيف أصبح اليمن السعيد مجرّد ذكرى عالقة في الأذهان، مجرد اسم يتردد على الألسنة بلا معنى؟ بالأمس كنا نفتخر بانتمائنا إليه، واليوم أصبحنا نخشى حتى الحديث عنه، كأننا غرباء عن أرضنا، كأننا لسنا أبناء هذا الوطن الذي كان يومًا عنوانًا للعزة والكرامة.
قسماً منه يبتلعه الحوثي، يلتهمه بنهمٍ لا يشبع، ينهب خيراته، يسرق أحلام أهله، يفرض سلطته بقوة السلاح، ويقتل كل من يعارضه. لا يكتفي بإراقة الدماء، بل يغزو العقول، يغرس أفكاره المسمومة، يزرع الكراهية، ويعيد تشكيل وعي الناس ليجعل منهم وقودًا لحربه. يحوّل الأطفال إلى مقاتلين، يرسلهم إلى الموت، يسرق طفولتهم، يسرق أعمارهم، ويترك أمهاتهم يتجرعن مرارة الفقد. يزعم أنه ظل الله على الأرض، لكنه في الحقيقة ليس سوى ظل الموت، ظل الدمار، ظل الظلم الذي يحجب نور الحياة عن هذا الوطن.
كل من يعارضه، كل من يرفض الانصياع، يجد نفسه إما في غياهب السجون أو في عداد المفقودين. أصبح الناس يخشون حتى الهمس، يخافون أن تصل كلماتهم إلى الآذان الخطأ، فيُحكم عليهم بالنفي، بالسجن، وربما بالإعدام. صارت العيون تراقبهم في كل مكان، صارت الجدران لها آذان، وصارت الحياة في مناطق سيطرته مجرد قفصٍ كبير، لا يُسمح لأحدٍ أن يخرج منه، إلا إلى القبر.
ومن الجهة الأخرى... يتقاسمون ما تبقى،
ثمانية أشخاص، ثمانية وجوه، كل منهم ينهش الوطن من جهته، يتصارعون كما تتصارع الضباع على الجيفة، يتظاهرون بأنهم يعملون من أجل بناء اليمن، لكن في الحقيقة، هم يبنون سلطتهم الخاصة، يجمعون ثرواتهم، يعقدون صفقاتهم، ويتركون الشعب وحده يواجه الجوع، الموت، الخوف، واليأس.
يتحدثون عن إعادة الإعمار، بينما الوطن ينهار. يتحدثون عن المستقبل، بينما الحاضر يلتهمنا يومًا بعد يوم. يرفعون شعارات الوطنية، بينما لا يعنيهم سوى حساباتهم البنكية ومكاسبهم الشخصية. الشعب بالنسبة لهم مجرد وسيلة، مجرد أداة يستغلونها للبقاء في السلطة. لا فرق بينهم وبين الحوثي، فالجميع يتاجر بالوطن، والجميع يسرق أحلام الناس، ولا أحد يفكر حقًا في مصلحة هذا البلد المنهك.
كيف وصلنا إلى هنا؟
كيف أصبح اليمن مقسمًا بهذا الشكل؟ كيف تحوّل إلى ساحةٍ تتنازعها الأطماع، وتتناهبها المصالح؟ كيف صار شعبه مشرّدًا، يعاني في الداخل، ويتسكع على أبواب الغربة في الخارج؟ كيف أصبحنا بلا وطن، أو ربما بوطنٍ بلا حياة؟
كيف أصبح المواطن في هذه الأرض بلا قيمة، بلا صوت، بلا حق؟ كيف صار وجوده مرهونًا برضا هذا الطرف أو ذاك؟ كيف وصل بنا الحال إلى أن نمضي أيامنا بين الحرب والخوف والجوع، بلا أي أمل في غدٍ أفضل؟
هل هناك ضوء في نهاية هذا النفق؟
هل سيعود اليمن كما كان؟ هل سيعود اليمن السعيد؟ أم أننا فقدناه إلى الأبد؟ هل هناك منقذ، أم أن هذه الأرض قد كُتب عليها أن تبقى أسيرة للحرب والموت والدمار؟
هل سيأتي يومٌ نصحو فيه على وطنٍ خالٍ من السلاح، خالٍ من الخوف، مليء بالحياة؟ أم أننا سنظل عالقين في هذه الدوامة، نعيش في الظلام، وننتظر الفرج الذي لا يأتي؟
هل سيأتي يومٌ نستيقظ فيه ولا نجد وطننا مرهونًا لأطماع الخارج ، مقيدًا بقيود الداخل؟ هل سنشهد فجرًا جديدًا ، أم أن الليل سيطول حتى ننسى كيف يبدو الصباح ؟
متى سنفهم الطريق؟ متى سندرك أن اليمن ليس ملكًا لأحد، وأنه لن يعود إلا إذا اجتمعنا جميعًا على حبه، على إنقاذه، على استعادته من بين أنياب الوحوش التي تلتهمه؟
متى نفيق؟ متى نستعيد وطننا؟ متى نقرر أن اليمن لنا، وليس لهم؟
إرسال تعليق