صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي
في ظل الحرب المستمرة منذ ما يقارب عقدًا من الزمن، والانهيار الاقتصادي المتسارع، تشهد اليمن واحدة من أكبر أزمات النزوح الداخلي في العالم. كشف تقرير حديث صادر عن المجلس الدنماركي للاجئين (DRC) عن توقعات خطيرة بشأن تصاعد أزمة النزوح الداخلي في البلاد، حيث من المتوقع أن يصل عدد النازحين إلى 5.1 مليون شخص بحلول نهاية عام 2025، بزيادة قدرها 340 ألف نازح خلال العام الجاري وحده.
يأتي هذا التقرير في وقت تتعمق فيه الأزمة الإنسانية، مما يفاقم معاناة ملايين اليمنيين الذين فقدوا منازلهم ويعيشون في ظروف صعبة، وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية والخدمات الأساسية، وانعدام الأمن الغذائي، وتصاعد العنف في العديد من المناطق.
اليمن في المرتبة الخامسة عالميًا من حيث أزمة النزوح الداخلي
التقرير، الذي حمل عنوان "توقعات النزوح العالمي لعام 2025" وشمل تحليلاً للأوضاع في 27 دولة، صنّف اليمن خامس أكبر دولة في العالم من حيث عدد النازحين داخليًا، حيث يعيش 4.8 مليون نازح حاليًا في البلاد، معظمهم من النساء والأطفال. هؤلاء النازحون يعانون من نزوح متكرر يمتد لسنوات، في ظل غياب أي أفق واضح للعودة إلى ديارهم.
وحذّر التقرير من تفاقم هذه الأزمة، متوقعًا أن يرتفع عدد النازحين داخليًا في اليمن إلى 5.5 مليون شخص بحلول نهاية 2026، ما لم يحدث تغيير جذري في الوضع السياسي والاقتصادي.
أزمة إنسانية متصاعدة: 19.5 مليون يمني بحاجة إلى مساعدات عاجلة
تتزامن أزمة النزوح مع تفاقم الأزمة الإنسانية الأوسع نطاقًا في اليمن، حيث أشار التقرير إلى أن 19.5 مليون يمني، أي ما يعادل 55% من السكان، سيحتاجون إلى مساعدات إنسانية عاجلة بحلول العام المقبل.
وبحسب التقرير، يعاني 17 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي الحاد، بينهم 5 ملايين يواجهون خطر المجاعة، ما يعني أن أي تراجع في المساعدات الإنسانية قد يؤدي إلى كارثة غير مسبوقة.
تتسبب النزاعات المسلحة والتدهور الاقتصادي المستمر في تأجيج هذه الأزمة، حيث فقد ملايين اليمنيين مصادر دخلهم، بينما تعاني الأسواق المحلية من نقص حاد في السلع الأساسية وارتفاع غير مسبوق في الأسعار.
عنف متواصل وانهيار اقتصادي يفاقمان النزوح
أكد التقرير أن النزوح المطول في اليمن ليس مجرد أزمة إنسانية، بل هو نتيجة مباشرة لعدة عوامل مترابطة، أبرزها:
1. استمرار الحرب والعنف المسلح: القتال المتواصل بين الأطراف المتحاربة أدى إلى تهجير مئات الآلاف من المدنيين، حيث تتحول بعض المناطق إلى ساحات معارك مستمرة، مما يجبر السكان على الفرار بحثًا عن الأمان.
2. الانهيار الاقتصادي: أدت الحرب إلى انهيار العملة المحلية، وارتفاع معدلات التضخم، وشلل شبه كامل في القطاعات الإنتاجية، مما جعل من الصعب على النازحين تأمين احتياجاتهم الأساسية.
3. تدهور الخدمات الأساسية: تعاني المدن والمناطق التي تستضيف النازحين من ضغط هائل على البنية التحتية والخدمات العامة، مثل المياه والكهرباء والصحة والتعليم، مما يجعل حياة النازحين أكثر صعوبة.
80% من النازحين يعتمدون على المساعدات الدولية
بحسب التقرير، يعتمد 80% من النازحين داخليًا على المساعدات الإنسانية للبقاء على قيد الحياة. ومع ذلك، تواجه المنظمات الإنسانية الدولية تحديات جسيمة في إيصال المساعدات بسبب نقص التمويل الدولي وتصاعد العقبات اللوجستية، ما يهدد بتفاقم الوضع الإنساني وتحويل اليمن إلى واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العصر الحديث.
كما أشار المجلس النرويجي للاجئين إلى أن التخفيضات الحادة في تمويل المساعدات الإنسانية تعني أن ملايين اليمنيين يواجهون خطر الجوع الحاد، حيث لا تتوفر لديهم أي وسيلة للحصول على الغذاء.
توصيات دولية لإنقاذ اليمن من حافة الكارثة
في ظل هذه التحديات، دعا المجلس الدنماركي للاجئين المجتمع الدولي إلى اتخاذ أربعة إجراءات عاجلة لإنقاذ اليمن ومنع تفاقم الأزمة الإنسانية، وهي:
1. تحقيق وقف إطلاق نار شامل: يُعتبر وقف إطلاق النار خطوة ضرورية للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى المحتاجين، وخلق بيئة مناسبة لعودة النازحين إلى ديارهم.
2. زيادة التمويل الإنساني: يجب على المانحين الدوليين الوفاء بتعهداتهم المالية، وتقديم دعم إضافي لضمان استمرار برامج الإغاثة، خاصة في المناطق التي تعاني من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي.
3. تعزيز الاقتصاد اليمني: يتطلب تحسين الوضع الاقتصادي إعادة بناء البنية التحتية المدمرة، وتنشيط القطاعات الإنتاجية، ودعم المشاريع الصغيرة، وهو ما يستدعي مشاركة فاعلة من المجتمع الدولي، وخاصة الاتحاد الأوروبي والدول الخليجية والمؤسسات المالية العالمية.
4. ضمان وصول المساعدات الإنسانية: يجب وضع آلية رقابة صارمة لضمان وصول المساعدات الإنسانية إلى الفئات الأكثر احتياجًا، بعيدًا عن العوائق السياسية والعسكرية.
هل ينقذ العالم اليمن من الهاوية؟
في ظل هذه التوقعات المقلقة، يواجه اليمن خطر الدخول في مرحلة أكثر كارثية من النزوح والمعاناة الإنسانية، ما لم يتم اتخاذ إجراءات دولية عاجلة للحد من تأثير الصراع، وإنقاذ الملايين من الجوع والتشرد.
تبقى المعضلة الرئيسية في أن الأزمة اليمنية لا تتعلق فقط بالنزوح، بل هي أزمة متشابكة تشمل الحرب، والانهيار الاقتصادي، وانعدام الأمن الغذائي، والتدهور الصحي، ما يجعل الحلول الجزئية غير كافية لإنهاء معاناة الملايين.
ويبقى السؤال: هل سيستجيب العالم لنداءات الإغاثة، أم أن اليمن سيظل رهينة للصراعات السياسية والجغرافية، غارقًا في مأساة إنسانية لا نهاية لها؟
إرسال تعليق