جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

تحولات التحالفات في اليمن: من مصافحة القيادات إلى اغتيال القادة الميدانيين

صدى الواقع اليمني - كتب: حسين الشدادي

في مشهد يعكس التناقضات السياسية والعسكرية في اليمن، يظهر السيد أبو الحسن مهدي مهدي الهاتف، رئيس حزب الإصلاح في محافظة حجة، إلى جانب القيادي الحوثي يوسف الفيشي، وهما يتبادلان الابتسامات والمصافحات. لكن بينما كانت هذه الصورة توثق لحظة ودية بين الرجلين، كان مسلحو الفيشي يقتلون قائد مقاومة حجور، العميد أمين الحجوري، ويمرون على قرى #حجور يفتكون بأهلها، يفجرون منازلها، ويلغمون طرقها وأسواقها ومزارعها، في واحدة من أكثر العمليات وحشية ضد منطقة عرفت بمقاومتها العنيدة لمشروع الحوثيين.

التناقض في المواقف: المصافحة والدماء

لم تكن الصورة مجرد لقطة عابرة، بل كانت تعبيرًا عن مشهد متكرر في اليمن، حيث تتداخل المصالح الحزبية مع التحالفات المؤقتة، حتى وإن جاءت على حساب الدماء والولاءات الميدانية. ففي الوقت الذي خاض فيه أبناء حجور معركة بطولية ضد الحوثيين، واجهوا ليس فقط الآلة العسكرية لمليشيا الحوثي، بل أيضًا خذلانًا سياسيًا من قوى يُفترض أنها في الصف الجمهوري.

السيد الهاتف، الذي كان أحد الشخصيات البارزة في حزب الإصلاح بحجة، لم يجد غضاضة في التقرب من قيادات الحوثي رغم إدراكه لحجم الإجرام الذي تمارسه الجماعة بحق المقاومة في منطقته. المفارقة أن هذا الرجل لم يبقَ مجرد شخصية حزبية محلية، بل لاحقًا ترقى ليصبح رئيس لجنة الحشد في الجمهورية اليمنية، وقائدًا لما يسمى بالمقاومة التهامية (فرع الرياض)، وعضوًا في مجلس الشورى، وهو ما يثير تساؤلات عميقة حول طبيعة التحالفات السياسية في اليمن، وكيف تتحول بعض الشخصيات من خانة إلى أخرى بسهولة مذهلة.

مقاومة حجور: معركة العزة والخيانة

لم يكن العميد أمين الحجوري مجرد قائد عسكري، بل كان رمزًا للصمود في وجه الحوثيين الذين سعوا بكل قوتهم لإخضاع مناطق حجور عبر القوة الغاشمة. خاضت المقاومة في حجور معركة غير متكافئة، قاتل فيها رجال القبائل بأسلحة بدائية أمام ترسانة الحوثيين الثقيلة، التي ضمت الدبابات والمدفعية والطائرات المسيّرة.

لكن الصدمة لم تكن فقط في تفوق العدو عسكريًا، بل في التواطؤ السياسي الذي ترك مقاومة حجور تواجه مصيرها وحدها. لم تتلقَ الدعم الكافي من القوى التي تزعم معارضتها للحوثيين، بل كان هناك من يفتح قنوات تواصل سرية معهم، ويبرم التفاهمات على حساب الدماء التي سالت في جبال حجور.

من حجور إلى الرياض: صعود الهاتف إلى السلطة

رغم كل هذه المواقف المثيرة للجدل، لم يكن صعود السيد الهاتف مفاجئًا لمن يتابع المشهد اليمني عن كثب. ففي بلد تحكمه المصالح السياسية والتحولات المفاجئة، يتحول بعض المتحالفين مع الحوثيين سابقًا إلى قادة في صف الشرعية، ويتقلدون مناصب حساسة كأن شيئًا لم يكن.

تعيين الهاتف رئيسًا للجنة الحشد في الجمهورية اليمنية، ومن ثم قائدًا للمقاومة التهامية (فرع الرياض)، قبل أن يصبح عضوًا في مجلس الشورى، يطرح تساؤلات خطيرة حول طبيعة القرارات السياسية التي تتخذها القيادة الشرعية، وكيف يتم منح الثقة لشخصيات أثبتت مواقفها السابقة أنها لا تؤمن بمبدأ المقاومة بقدر ما تؤمن بمصالحها الشخصية.

إعادة النظر في التحالفات

القضية هنا ليست شخصية الهاتف وحده، بل هي جزء من معضلة أكبر يعاني منها اليمنيون منذ سنوات، وهي غياب وضوح الرؤية السياسية، والاعتماد على شخصيات متقلبة، قد تكون اليوم في صف الشرعية وغدًا في معسكر الحوثيين، أو العكس.

إذا أرادت الشرعية أن تبقى صادقة مع مشروع استعادة الدولة، فعليها أن تراجع حساباتها، وأن تُعيد تقييم الشخصيات التي تمنحها الثقة والمناصب، حتى لا يتكرر سيناريو حجور في مناطق أخرى، وحتى لا يجد اليمنيون أنفسهم يومًا أمام مشهد آخر، حيث يجلس القتلة والمقاومون السابقون على طاولة واحدة، وكأن شيئًا لم يكن.


Post a Comment

أحدث أقدم