صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي
كشف الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، الاثنين، أن خسائر إيرادات قناة السويس بلغت 800 مليون دولار شهريًا بسبب الأوضاع الراهنة في المنطقة. جاء ذلك خلال كلمته في حفل الإفطار السنوي الذي أقامته القوات المسلحة بمناسبة شهر رمضان، حيث أشار إلى الظروف الصعبة التي يمر بها العالم عمومًا ومنطقة الشرق الأوسط على وجه الخصوص.
وأوضح السيسي أن مصر واجهت تحديات جسيمة خلال السنوات الـ15 الماضية، بما في ذلك الأزمات الاقتصادية العالمية، إلا أنها سارت بخطى ثابتة ومدروسة لمواجهة هذه التحديات. وأكد أن البلاد تتكبد خسائر شهرية تقدر بنحو 800 مليون دولار من إيرادات قناة السويس نتيجة للظروف الحالية في المنطقة.
من جهة أخرى، أشار الرئيس المصري إلى أن الاقتصاد المصري يشهد مؤشرات إيجابية، لافتًا إلى موافقة صندوق النقد الدولي مؤخرًا على صرف شريحة جديدة لمصر. كما أشاد بدور الشعب المصري وتماسكه، مؤكدًا أن القوات المسلحة والشرطة المدنية تمثلان الركيزة الأساسية للدولة في هذه الأوقات الاستثنائية.
وأكد السيسي أن الأوضاع الاقتصادية بدأت تتحسن بفضل جهود مؤسسات الدولة والشعب المصري.
يذكر أن حركة المرور في قناة السويس تأثرت بشكل كبير منذ أكتوبر 2023، بسبب هجمات مليشيا الحوثي الإرهابية على السفن التجارية في البحر الأحمر. وفي هذا السياق، وجهت الولايات المتحدة ضربات عسكرية مكثفة ضد منشآت استراتيجية للحوثيين منذ مساء السبت، في محاولة لوضع حد للتهديدات التي تشكلها هذه المليشيا المدعومة من إيران للملاحة الدولية في هذا الممر المائي الحيوي، الذي يمر عبره نحو 15% من التجارة العالمية.
منذ أواخر عام 2023، صعدت مليشيا الحوثي المدعومة من إيران عملياتها العسكرية في البحر الأحمر، مستهدفة السفن التجارية عبر مضيق باب المندب، وهو أحد أهم الممرات البحرية الاستراتيجية في العالم. وبحسب تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فإن هذه الهجمات كبدت مصر خسائر تقدر بنحو 800 مليون دولار شهريًا من إيرادات قناة السويس، التي تمثل شريانًا اقتصاديًا رئيسيًا للبلاد.
لكن السؤال الأهم هو: ما الهدف الحقيقي للحوثيين من استهداف الملاحة الدولية؟ هل هو مجرد دعم مزعوم لغزة، أم أن هناك حسابات استراتيجية أعمق تتعلق بالنفوذ الإيراني، وابتزاز القوى الدولية، وزعزعة استقرار المنطقة؟ هذا التقرير يستعرض الأبعاد المختلفة للأزمة، ويحلل تداعياتها على المستويين الإقليمي والدولي.
أولًا: الأثر الاقتصادي لهجمات الحوثيين على قناة السويس والملاحة الدولية
1- تراجع حركة العبور عبر قناة السويس
وفقًا للبيانات الرسمية، تراجعت حركة عبور السفن في قناة السويس بنسبة 42% بين نهاية ديسمبر 2023 وأوائل فبراير 2024. وأدى هذا التراجع إلى انخفاض العائدات السنوية للقناة، التي كانت تدر أكثر من 9 مليارات دولار سنويًا على الاقتصاد المصري.
2- ارتفاع تكاليف الشحن والتأمين
أدى تصاعد الهجمات إلى تغيير العديد من شركات الشحن العالمية لمساراتها، مفضلة الدوران حول رأس الرجاء الصالح بدلًا من المرور عبر البحر الأحمر. هذا التحول رفع تكاليف الشحن بنسبة تتراوح بين 50% و100% بسبب طول المسافة واستهلاك المزيد من الوقود. كما ارتفعت تكاليف التأمين على السفن التي تمر عبر البحر الأحمر بشكل كبير، ما زاد من الأعباء الاقتصادية على شركات النقل البحري.
3- انعكاسات على التجارة العالمية
نظرًا لأن نحو 15% من التجارة العالمية يمر عبر قناة السويس، فإن أي تهديد لحركة الملاحة في البحر الأحمر يؤثر مباشرة على سلاسل الإمداد العالمية. وقد أدى اضطراب الملاحة إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، خاصة في أوروبا، التي تعتمد بشكل كبير على الواردات القادمة عبر قناة السويس.
ثانيًا: الأهداف الحقيقية للحوثيين من استهداف الملاحة البحرية
1- تعزيز النفوذ الإيراني عبر الحوثيين
لا يمكن فهم التصعيد الحوثي في البحر الأحمر بمعزل عن السياسة الإيرانية الإقليمية. فإيران تستخدم الحوثيين كأداة لتهديد المصالح الغربية وابتزاز المجتمع الدولي، تمامًا كما تفعل مع حزب الله في لبنان، والميليشيات التابعة لها في العراق وسوريا.
من خلال ضرب السفن التجارية، تسعى طهران إلى إيصال رسالة إلى واشنطن وأوروبا بأنها قادرة على إحداث اضطرابات كبيرة في الاقتصاد العالمي إذا لم تحصل على تنازلات في ملفات مثل الملف النووي والعقوبات الاقتصادية.
2- فرض الحوثيين كقوة إقليمية لا يمكن تجاهلها
يعاني الحوثيون من عزلة دولية، ولا تعترف بهم الأمم المتحدة كحكومة شرعية في اليمن. لذا، فإن استهداف الملاحة الدولية هو محاولة لفرض أنفسهم كطرف رئيسي في المعادلة الإقليمية. فمن خلال عرقلة أحد أهم الممرات المائية العالمية، يجبرون القوى الكبرى على التعامل معهم بشكل مباشر، إما من خلال المفاوضات أو الرد العسكري.
3- الضغط على مصر والسعودية والإمارات
تمثل قناة السويس مصدر دخل أساسي لمصر، وبالتالي فإن ضرب الملاحة في البحر الأحمر يضعف الاقتصاد المصري ويزيد الضغوط على الحكومة المصرية. وبالمثل، فإن السعودية والإمارات، اللتين تقودان التحالف العربي المناهض للحوثيين، تعتمد اقتصاداتها على التجارة البحرية والنفط.
إيران، التي تدير أجندة الحوثيين، تسعى إلى إضعاف الدول العربية الكبرى، وإجبارها على تقديم تنازلات في ملفات عدة، مثل الحرب في اليمن، والتطبيع مع إسرائيل، والعلاقات مع الغرب.
4- تعطيل خطوط الإمداد العسكرية للولايات المتحدة وحلفائها
البحر الأحمر ليس فقط ممرا تجاريا، بل هو ممر استراتيجي عسكري تستخدمه القوات الأمريكية وحلفاؤها في عملياتهم في الشرق الأوسط وأفريقيا. من خلال تهديد الملاحة، يسعى الحوثيون إلى إضعاف القدرة العسكرية الغربية في المنطقة، وإجبار الولايات المتحدة على إعادة حساباتها في الصراع اليمني.
5- توظيف القضية الفلسطينية لتبرير التصعيد
يروج الحوثيون أن هجماتهم على السفن التجارية تأتي في سياق دعم غزة ومحاربة إسرائيل. لكن الواقع يشير إلى أنهم يستهدفون السفن الدولية دون تمييز، بما فيها سفن دول إسلامية وعربية. وهذا يعزز الشكوك حول أن القضية الفلسطينية ليست سوى ذريعة لتبرير التصعيد، بينما الأهداف الحقيقية تتعلق بالنفوذ الإقليمي الإيراني والمصالح الحوثية الداخلية.
ثالثًا: ردود الفعل الدولية والتصعيد العسكري ضد الحوثيين
1- الضربات الأمريكية والبريطانية
ردًا على الهجمات الحوثية، شنت الولايات المتحدة وبريطانيا سلسلة من الضربات العسكرية على مواقع استراتيجية للحوثيين، شملت موانئ ومنشآت عسكرية تستخدم لتنفيذ الهجمات.
لكن هذه الضربات لم توقف الحوثيين، الذين واصلوا عملياتهم، مما يثير تساؤلات حول مدى فعالية الخيار العسكري في ردعهم.
2- التحالف البحري الدولي
أعلنت الولايات المتحدة عن تحالف دولي لحماية الملاحة في البحر الأحمر، يضم دولًا مثل بريطانيا، فرنسا، اليابان، وإيطاليا. لكن حتى الآن، لم ينجح التحالف في وقف الهجمات بشكل كامل، مما يعكس تعقيد الأزمة.
3- تأثير الصراع على العلاقات الدولية
التوتر في البحر الأحمر يزيد من تعقيد العلاقات بين القوى الكبرى. فبينما تدعم الولايات المتحدة ضرب الحوثيين، تتخذ الصين وروسيا موقفًا حذرًا، حيث تعتبران الأزمة جزءًا من الصراع الأمريكي الإيراني، ولا ترغبان في التدخل بشكل مباشر.
رابعًا: السيناريوهات المحتملة للأزمة
1- استمرار الوضع الحالي (حرب استنزاف بحرية)
في هذا السيناريو، تستمر الهجمات الحوثية بوتيرة منخفضة، مع ردود عسكرية غربية محدودة. وهذا قد يؤدي إلى مزيد من التدهور الاقتصادي لمصر وزيادة أسعار الشحن عالميًا، لكنه لن يغير موازين القوى بشكل جذري.
2- تصعيد عسكري واسع ضد الحوثيين
إذا زادت الهجمات الحوثية، فقد تلجأ الولايات المتحدة وحلفاؤها إلى حملة عسكرية شاملة ضد مواقع الحوثيين في اليمن. لكن هذا السيناريو يحمل مخاطر توسيع الحرب الإقليمية، خاصة إذا تدخلت إيران بشكل مباشر.
3- اتفاق سياسي برعاية دولية
قد تسعى القوى الكبرى إلى حل سياسي يتضمن ضمانات أمنية للملاحة الدولية مقابل تقديم تنازلات للحوثيين في اليمن. لكن نجاح هذا السيناريو يتوقف على موقف إيران، التي قد تستخدم الحوثيين كورقة مساومة في ملفات أخرى.
الهجمات الحوثية في البحر الأحمر ليست مجرد عمليات منعزلة، بل هي جزء من استراتيجية إيرانية أوسع تهدف إلى تعزيز النفوذ، وابتزاز القوى الغربية، وإضعاف المحور العربي. ورغم الضغوط الدولية، فإن الحل العسكري وحده قد لا يكون كافيًا لإنهاء الأزمة. لذا، فإن المستقبل يعتمد على مدى قدرة القوى الإقليمية والدولية على التعامل مع التهديد الحوثي بوسائل أكثر شمولًا، تجمع بين الردع العسكري والضغط السياسي والاقتصادي.
إرسال تعليق