صدى الواقع اليمني - كتب: يوسف اليامي
منذ اندلاع ثورة 11 فبراير، لم نعد كما كنا، ولم يعد الوطن هو الوطن الذي عرفناه. منذ تلك اللحظة، تغير كل شيء، كأن الحياة انقسمت إلى نصفين، نصفٌ مضى بما كان فيه من أمان واستقرار وحياة، ونصفٌ آخر جاء ليحمل معه الخوف والضياع والتشرد والخذلان. لم نعد نعيش، بل أصبحنا ننجو، نركض بين الأيام كأننا نبحث عن شيء فقدناه، نبحث عن وطن لم يعد كما كان، عن أحلام تبعثرت بين شعارات وخطابات ووعود لم تتحقق.
نحن الذين صدّقنا أن التغيير سيكون بابًا نحو حياة أفضل، وجدنا أنفسنا أمام أبوابٍ موصدة، أمام مستقبل لم يعد يشبه الأحلام التي رسمناها في ذلك الوقت. كنا نظن أن الثورة تعني الحرية، تعني العدالة، تعني الخلاص من كل ما كان يثقل كواهلنا، لكننا لم نجد إلا المزيد من السلاسل، المزيد من الخيبات، المزيد من الأوجاع التي لم تكن جزءًا من حساباتنا عندما وقفنا نحلم بوطن جديد.
كم سنة مرت الآن؟ كم جرحًا نزف؟ كم حلمًا سقط؟ كم مرة نظرنا إلى السماء وقلنا: متى ينتهي كل هذا؟ لكن السماء صامتة، والواقع يزداد قسوة، والمستقبل يزداد غموضًا. لم تتحقق الوعود، لم يتحقق شيء مما قيل لنا في تلك الأيام. كنا نحلم بوطن مزدهر، بوطن يعمّه العدل، بوطن يجد فيه أبناؤه فرصتهم للحياة الكريمة، لكننا وجدنا أنفسنا أمام وطن يزداد تفتتًا، يزداد ألمًا، يزداد خسارة.
الشباب الذين كانوا في الصفوف الأولى للحلم، أين هم الآن؟ منهم من غاب في المعتقلات، منهم من صمت بعد أن أدرك أن الكلام لم يعد ينفع، منهم من حمل حقيبته ورحل، ومنهم من بقي لكنه لم يعد هو نفسه، أصبح إنسانًا آخر، يحمل في قلبه تعب السنين ووجع الخذلان. المغترب الذي كان ينتظر أن تهدأ العاصفة ليعود، وجد أن العاصفة لم تهدأ، بل ازدادت وحشية، وجد أن الوطن الذي تركه لم يعد هو الوطن الذي يريد العودة إليه.
وما الوطن إن لم يكن أمانًا؟ ما الوطن إن لم يكن بيتًا يحتوينا حين يخذلنا كل شيء؟ لكنه لم يعد كذلك، لم يعد الوطن حضنًا، بل أصبح ندبةً في قلوبنا، جرحًا لا يندمل، أصبح شيئًا نخاف أن نفقده أكثر مما فقدناه، وأصبح السؤال الذي لا نجرؤ على طرحه: هل ما زال هناك أمل؟
كل شيء تغيّر، كل شيء ضاع. نحن الذين كنا نحلم بوطن أجمل، أصبحنا نحلم فقط بالخلاص، نحلم بأن نصحو يومًا فلا نجد هذا الحمل الثقيل فوق صدورنا، نحلم بأن تعود الأيام التي لم نكن ندرك قيمتها حتى فقدناها، نحلم بأن تكون هذه السنوات الطويلة مجرد كابوس سنستيقظ منه ذات يوم، لكن الحقيقة هي أن هذا الكابوس أصبح هو الواقع، أصبح هو الحياة التي نحاول التأقلم معها رغم أنها ليست الحياة التي أردناها.
لم يعد الوطن كما كان، لم نعد كما كنا، ولا ندري إلى أين تأخذنا الأيام.
إرسال تعليق