صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي
رغم التطور النسبي الذي شهدته الدراما اليمنية خلال السنوات الأخيرة، إلا أن التمثيل العادل لجميع فئات المجتمع لا يزال قضية لم تحظَ بالاهتمام الكافي، وخاصة فيما يتعلق بذوي البشرة السوداء، الذين ظلوا على هامش الإنتاج الدرامي أو تم تقديمهم بصورة نمطية وسطحية.
أحد أبرز الأمثلة التي تعكس هذا الواقع هو مسلسل "دروب المرجلة" بجزأيه الأول والثاني، حيث غاب تمامًا حضور أي ممثل من ذوي البشرة السوداء، على الرغم من أن المجتمع اليمني يضم تنوعًا عرقيًا واضحًا، ويعيش فيه عدد كبير من اليمنيين ذوي البشرة السوداء، والذين كانوا جزءًا أساسيًا من النسيج الاجتماعي والثقافي عبر التاريخ.
إقصاء أم تغافل؟
عند النظر إلى "دروب المرجلة"، نجد أن صُنّاع العمل حرصوا على تقديم شخصيات متنوعة تعكس البيئة القبلية اليمنية في إطار درامي يسلط الضوء على قيم النخوة والشجاعة. ومع ذلك، فإن غياب ذوي البشرة السوداء يطرح تساؤلات حول مدى وعي صُنّاع الدراما اليمنية بأهمية تمثيل جميع الفئات بشكل منصف.
هذا الغياب لا يمكن اعتباره مجرد صدفة، بل يعكس نمطًا مستمرًا في الدراما اليمنية، حيث يتم تجاهل هذه الفئة أو تقديمها في أدوار ثانوية ذات طابع ساخر أو خادم في بيوت الوجهاء والمشايخ، وهو ما يعيد إنتاج صور نمطية متجذرة في المجتمع اليمني.
الدراما اليمنية وتكريس الصور النمطية
لا يقتصر الأمر على "دروب المرجلة"، بل إن العديد من الأعمال الدرامية اليمنية خلال العقود الماضية ساهمت في تكريس هذه الصور النمطية، حيث يظهر ذوو البشرة السوداء غالبًا كخدم أو شخصيات مضحكة يتم استغلالها للكوميديا الساخرة، دون منحهم أدوارًا تعكس واقعهم الاجتماعي أو تسلط الضوء على قضاياهم.
في المقابل، نجد أن الدراما العربية في دول أخرى بدأت تتطور في هذا السياق، حيث شهدت الأعمال المصرية والتونسية والسودانية، وحتى الخليجية، إدماجًا أكبر للممثلين السود، ليس فقط كجزء من التنوع، ولكن أيضًا في أدوار رئيسية ومحورية تسلط الضوء على قضاياهم الإنسانية والاجتماعية.
حان الوقت لإعادة النظر
يتفق العديد من المثقفين والناشطين في اليمن على ضرورة تغيير هذا الواقع، والدفع باتجاه تمثيل أكثر عدالة لذوي البشرة السوداء في الأعمال الدرامية اليمنية. فالدراما ليست مجرد وسيلة ترفيهية، بل هي أداة قوية لتشكيل الوعي العام وتعزيز قيم المساواة والعدالة الاجتماعية.
لذا، فإن إدماج ذوي البشرة السوداء في الإنتاجات الدرامية اليمنية ليس مجرد "خيار" أو "مجاملة"، بل هو ضرورة تعكس الواقع الاجتماعي، وتسهم في تحقيق عدالة ثقافية وإعلامية. وهذا لا يتطلب فقط منحهم أدوارًا في المسلسلات، بل أيضًا العمل على تقديم شخصيات قوية وواقعية، بعيدًا عن التنميط أو الاستخدام الساخر.
نحو دراما أكثر شمولية
يحتاج صُنّاع الدراما اليمنية إلى إدراك أن المشاهد اليمني لم يعد يقبل بالأعمال التي تتجاهل جزءًا من واقعه، وأن استمرار الإقصاء أو التنميط لن يؤدي إلا إلى المزيد من النقد والتراجع في التأثير الفني والثقافي.
ومن هنا، تأتي دعوات كثيرة لدمج الممثلين السود في الأدوار الدرامية بشكل أوسع، ليس فقط في "دروب المرجلة" وأمثاله، بل في جميع الأعمال الدرامية القادمة. وهذا يتطلب من الجهات الإنتاجية والمخرجين والمؤلفين اتخاذ خطوة جادة نحو إنتاج محتوى يعكس حقيقة المجتمع اليمني بكل تنوعه، ويقدم شخصيات سوداء ليست فقط في أدوار ثانوية، بل أيضًا في أدوار قيادية ومؤثرة ضمن السياق الدرامي.
ويبقى السؤال مفتوحًا: هل نشهد في المستقبل القريب مسلسلات يمنية تُنصف ذوي البشرة السوداء وتدمجهم في النسيج الدرامي بشكل لائق؟ أم أن الدراما اليمنية ستبقى حبيسة القوالب النمطية القديمة؟
إرسال تعليق