صدى الواقع اليمني - كتب: يوسف اليامي
لماذا تجعلني أستيقظ كل يوم وأنا أحمل داخلي هذا الثقل، هذا الإحساس بأنني غريب رغم أنني منك؟ لماذا تجعلني أشعر أنني مجرد رقم في قائمة طويلة من الأسماء التي لا تُسمع، من الأصوات التي لا تصل، من الأرواح التي تعيش على هامشك؟ أليس لي فيك مكان؟ أليس لي فيك حق كما للآخرين؟ أم أنني مطالَب فقط بالصمت، بالولاء الأعمى، بالانتظار الذي لا ينتهي؟
لقد كبرت وأنا أؤمن بك، كنتَ الحلم الذي تغنيتُ به صغيرًا، كنتَ الحكاية التي زرعها الكبار فينا، تلك القصيدة التي حفظناها عن ظهر قلب، ورددناها في طابور الصباح، وكتبناها في دفاترنا المدرسية، وعلقناها في زوايا قلوبنا. لكن حين كبرنا، حين نظرنا إليك بعيونٍ مفتوحة، رأينا وجوهًا لم نعرفها، شوارع لم تحتضننا، قوانين لم تَكُن لنا، أحلامًا ليست لأجلنا.
أنا لم أخنك يا وطني، لكنك خذلتني. لم أكرهك، لكنك جعلتني أشعر أنني غير مرغوبٍ فيك. لماذا أحبك رغم كل شيء؟ لماذا لا أستطيع أن أكرهك كما فعلت أنت بي؟ ربما لأنك محفورٌ في ذاكرتي، لأنني لا أعرف غيرك، لأنني لا أستطيع أن أنتمي لسواك حتى لو حاولت.
لكن قل لي، ما معنى أن يكون لي وطنٌ لا أشعر فيه بالأمان؟ ما معنى أن أحملك في صدري، وأنت تضيّق عليّ حتى أنفاسي؟ لماذا تمنحني الحياة ثم تسلبها مني ببطء، بخذلانك، بجدرانك العالية، بأبوابك المغلقة؟
هل تعلم كيف يكون الموت يا وطني؟ ليس بالرصاص، ليس بالحروب فقط، بل بالصمت الطويل الذي يبتلع الكلمات في الحناجر، بالخذلان الذي لا شفاء منه، بالشعور بأنك لا تملك مكانًا حقيقيًا في المكان الذي يفترض أنه لك.
أحيانًا أفكر، هل كنتُ ساذجًا حين أحببتك بهذا الشكل؟ هل كنتُ مغفلًا حين ظننت أنك ستبادلني الحب؟ أم أن الحب بين الإنسان ووطنه علاقة غير متكافئة، علاقة يُطلب فيها من أحد الطرفين أن يعطي إلى الأبد دون أن ينتظر شيئًا في المقابل؟
وطني، أنا متعب. متعب من انتظارك، من محاولتي لفهمك، من بحثي عني فيك. متعب من كوني فيك بلا صوت، بلا وجه، بلا أثر.
لكنني رغم ذلك، لا زلت أعود إليك. لا زلت أبحث عنك في كل زاوية، في كل ذاكرة، في كل ملامح وجه أعرفه. لا زلت أرجوك، حتى وأنت تقتلني، أن تمنحني فرصة أخيرة للحياة فيك.
إرسال تعليق