جارٍ تحميل الأخبار العاجلة...
Responsive Advertisement

العنصرية في تعز: عندما يتحول التدريب إلى منصة للتمييز الطبقي

صدى الواقع اليمني - كتب: جابر الصالحي

لم يكن المشاركون في الدورة التدريبية التي نظمها الصندوق الاجتماعي للتنمية في منطقة المعافر، الكلائبة، يتوقعون أن تتحول الجلسة إلى مشهد يكشف عمق التمييز الطبقي الذي لا يزال ينخر في جسد المجتمع اليمني. وبينما كانت الجلسة تناقش إيجابيات وسلبيات الدورة، تفاجأ الجميع بصوت صدام مهيوب يرتفع قائلاً:
جابر الصالحي

لم يكن المشاركون في الدورة التدريبية التي نظمها الصندوق الاجتماعي للتنمية في منطقة المعافر، الكلائبة، يتوقعون أن تتحول الجلسة إلى مشهد يكشف عمق التمييز الطبقي الذي لا يزال ينخر في جسد المجتمع اليمني. وبينما كانت الجلسة تناقش إيجابيات وسلبيات الدورة، تفاجأ الجميع بصوت صدام مهيوب يرتفع قائلاً: "من السلبيات وجود الأخدام معنا في الدورة!"

لم يكن هذا التعليق مجرد زلة لسان أو رأي شخصي، بل هو انعكاس لثقافة الإقصاء التي ما زالت تحكم نظرة بعض الفئات في اليمن تجاه "المهمشين"، الذين عانوا لعقود من التمييز الاجتماعي والاقتصادي. إن ما حدث في تلك الجلسة لم يكن سوى تذكير مؤلم بأن اليمن، رغم نضاله الطويل من أجل العدالة والمساواة، لا يزال يعاني من مخلفات التمييز الطبقي، حيث يُنظر إلى شريحة من المجتمع على أنها أقل شأناً من غيرها، فقط بسبب أصولها.

تمثل الفئة المهمشة، المعروفة تاريخياً بـ"الأخدام"، إحدى أكثر الفئات معاناة في اليمن، حيث يعيش أفرادها في ظروف صعبة، محرومين من أبسط الحقوق الأساسية، بما في ذلك التعليم والرعاية الصحية والوظائف الحكومية. ورغم الجهود التي بذلتها بعض المنظمات الحقوقية والمدنية لدمجهم في المجتمع، إلا أن الموروث الاجتماعي لا يزال يحاصرهم داخل دائرة التمييز، مما يحرمهم من فرص عادلة للحياة الكريمة.

إن ما حدث في دورة الصندوق الاجتماعي ليس حالة فردية، بل هو امتداد لسلسلة من الممارسات التي تعيق أي جهود لتمكين هذه الفئة، حيث يُنظر إليهم بعين الاحتقار ويتم إقصاؤهم حتى في أبسط المحافل، مثل الدورات التدريبية التي يفترض أنها تهدف إلى تنمية مهارات الشباب ودمجهم في المجتمع.

يجب أن يكون صوتنا عالياً في مواجهة هذه الظاهرة التي تتنافى مع كل القيم الإنسانية والإسلامية. إن العنصرية لا تُبنى فقط على الألوان أو الأصول، بل هي نهج قاتل يعمّق الفجوة بين أبناء المجتمع الواحد، ويزرع بذور الكراهية والفرقة.

ما قاله صدام مهيوب ليس رأياً شخصياً يمكن تجاهله، بل هو موقف يعكس منظومة فكرية تحتاج إلى إعادة بناء. فالأمر لا يتعلق فقط بموقف فردي، بل بثقافة متجذرة تحتاج إلى مواجهة جادة عبر التعليم، والتوعية، والقوانين الرادعة التي تجرّم التمييز بكافة أشكاله.

من الواجب على الدولة والمجتمع العمل على إنهاء هذه التفرقة العنصرية، من خلال تعزيز الوعي المجتمعي بأهمية المساواة بين جميع المواطنين. يجب أن يُمنح المهمشون الفرصة الكاملة للمشاركة في الحياة العامة، دون أن يواجهوا نظرات الازدراء أو التعليقات المهينة التي تعيق تقدمهم.

إن اليمن لن يتقدم إلا إذا تساوى جميع أبنائه أمام القانون والمجتمع. ولن تزدهر أي أمة إذا كان جزءٌ منها يُعامل وكأنه أقل إنسانية من الآخرين. اليوم، نرفع صوتنا ضد هذه العنصرية المقيتة، ونطالب بمحاسبة كل من يحاول إدامة هذا التمييز الذي لا يمتّ للإنسانية بصلة.

ما حدث في دورة المعافر هو مجرد مثال على التحديات التي يواجهها المهمشون في اليمن يومياً. وإذا لم يقف المجتمع بأكمله ضد هذه الممارسات، فستظل الفئة المهمشة أسيرة للظلم والتهميش. حان الوقت لأن ندرك أن كرامة الإنسان ليست مرهونة بلونه أو أصله، بل بإنسانيته، وأن اليمن لن يكون للجميع إلا إذا كان العدل للجميع.


Post a Comment

أحدث أقدم