صدى الواقع اليمني - كتب : محمد السفياني
يعلم الجميع أن هناك لقاءً مرتقبًا بين زعيمي الغرب، ويمثله الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والشرق، ويمثله رئيس روسيا الاتحادية فلاديمير بوتين. ويأتي هذا اللقاء بعد التهديدات النووية والحرب المستعرة بين روسيا وداعميها من جهة، وأوكرانيا وداعميها من جهة أخرى.
لكن أن يكون لقاء السلام في الرياض، فليس لأن الرياض قررت احتضان هذا اللقاء، بل لأن الطرفين قررا أن الرياض هي المكان الأنسب لهذا الحدث الكبير بحجمه وأهميته وتوقيته. وهذا يثير العديد من التساؤلات حول اختيار الرياض تحديدًا: هل جاء ذلك نتيجة تغيّر السياسة في المملكة العربية السعودية نحو الحرية والانفتاح؟ أم أن الأمر أشبه بروبورتاج يجعل من الرياض فنارًا يقود السفن نحو السلام، ويجنب الدول مخاطر الحرب والدمار؟
إن إجماع الشرق والغرب على عقد اللقاء في الرياض يمثل أكبر روبورتاج تسويقي لقدرات الرياض، وأمنها، واستقرار المملكة العربية السعودية، سواء كان هذا الروبورتاج مدفوع الثمن أم بلا مقابل. وهنا يبرز التساؤل حول نية وقناعة المتحاورين، قائد الغرب وقائد الشرق، وماذا تريد السعودية من هذا اللقاء؟
هل تسعى المملكة إلى إبراز مكانتها كحاملة لمشروع سلام دولي؟ أم يُراد منها تقديم الدعم المالي لإيقاف نزيف الدم في حرب فلسطين وحرب أوكرانيا؟ وما حجم الدعم الذي يمكن أن تقدمه السعودية؟
وفي الوقت نفسه، يقوم الرئيس الأوكراني زيلينسكي بزيارة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، حيث يوقّع اتفاقية استراتيجية بين أوكرانيا والإمارات، كما يزور إيلون ماسك الإمارات ليجعل منها مركزًا للذكاء الصناعي الدولي، وقد صرّح بأن الإمارات ستصبح مركزًا لصناعة السيارات ذاتية القيادة.
ويعود السؤال: ماذا يعني اختيار زعيمي الشرق والغرب أن يكون لقاؤهما في الرياض؟ هل هو إعلان بأن الشرق والغرب سيتعاملان مع دول المنطقة عبر بوابة الرياض وليس عبر طهران أو إسطنبول؟
الإجابة: نعم. لقد طالبت إيران مرارًا بأن يكون التعامل مع دول منطقة الشرق الأوسط عبر طهران، باعتبارها الدولة الكبرى في المنطقة. وكذلك ظهرت تركيا، إبّان أحداث ما يُسمّى بالربيع العربي، لتعلن أنها من تقود الشرق الأوسط، وعلى الغرب والشرق التعامل مع دول المنطقة عبر إسطنبول. فهل يعني هذا أن الشرق والغرب قرّرا التعامل مع دول الشرق الأوسط عبر الرياض، باعتبارها بوابة السلام الدولي ورائدة المنطقة؟
إن احتضان السعودية لعدة مؤتمرات عربية وإسلامية، وأخرى مع دول أمريكا اللاتينية، إضافة إلى زيارة رؤساء الدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وقادة الاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي، يُعد إقرارًا بهذا الاختيار. كما أن حضور زعيمي تركيا وإيران لهذه المؤتمرات الإسلامية قد يكون تسليمًا بقيادة السعودية للمنطقة.
وهذا اللقاء قد يُعدّ إقرارًا بأن السعودية هي الدولة الأولى في منطقة الشرق الأوسط، وعند الاتفاق على النظام الدولي الجديد، ستكون مكانتها في الاعتبار. فبفضل اقتصادها القوي، وتطوير بنيتها التحتية، واتخاذها قرارات نحو الحرية والعدالة، وخلقها بيئة استثمارية جاذبة، أصبحت السعودية ليست قبلةً للمسلمين فقط، بل قبلةً جديدة للمستثمرين.
وهناك مشاريع عملاقة ضمن رؤية المملكة 2030، فهل تستطيع المملكة قيادة تنمية اقتصادية وبيئية في دول الوطن العربي؟ أم أنها ستترك الباب مفتوحًا لكل المشاريع التي تستهدف دول المنطقة، وعلى رأسها إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ووضع حد للصلف الإسرائيلي وحروب الإبادة ضد الشعب الفلسطيني؟
وماذا عن اليمن، الجار المنكوب، الذي تعلّمت الدول الحروب على دمائه؟ أين مسؤولية ريادة المنطقة مما وصل إليه اليمن، أرضًا وإنسانًا؟ وأين وعود قادة المنطقة مما أوصلوا اليمن إليه، هم وحلفاؤهم وخصومهم؟
لقد دمّرتم الفنار التاريخي للعالم، فيجب إعادة بنائه... اليمن! فهل من مُدّكر؟
إرسال تعليق