صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي
على أعتاب رمضان، يعيش سكان العاصمة المؤقتة عدن كابوسًا يوميًا في ظل انهيار اقتصادي متسارع، وانقطاع شبه دائم للكهرباء، وارتفاع جنوني للأسعار.
تتقاطع مأساة عدن مع مأساة اليمن برمته، حيث دفع الشعب ثمناً باهظاً جراء الحرب المستمرة منذ سنوات، إذ بات يرزح تحت وطأة الفقر المدقع، وانعدام الخدمات الأساسية، وغياب أي أفق لحل يوقف هذا الانحدار نحو المجهول.
اقتصاد متهاوٍ… عملة تنهار وأسعار تحلّق
لم يعد انهيار الريال اليمني مجرد أزمة اقتصادية عابرة، بل بات كارثة إنسانية تهدد ملايين اليمنيين.
مع تراجع قيمة العملة المحلية، ارتفع الدولار خلال أسبوع واحد فقط من 2274 ريالًا إلى 2345 ريالًا، بينما بلغ سعر الريال السعودي 619 ريالًا بعدما كان 594 ريالًا.
هذه الأرقام لا تعكس مجرد تقلبات سوقية، بل تكشف عن تهاوي السياسات الاقتصادية التي تتبناها الحكومة المعترف بها دوليًا، والتي تواصل عجزها عن كبح جماح التدهور المالي.
وبينما تتهاوى العملة، ترتفع الأسعار بشكل جنوني، ما يجعل من شراء الاحتياجات الأساسية مهمة شبه مستحيلة بالنسبة لكثير من العائلات اليمنية.
حيث بات المواطنون يشترون المواد الغذائية بالكيلوغرام بدلًا من تخزينها لشهر كامل، كما كان الحال في السابق.
عقارات عدن… كساد غير مسبوق وهروب رؤوس الأموال
التراجع في أسعار العقارات في عدن بنسبة تصل إلى 40% خلال الأشهر الأخيرة، هو مؤشر خطير على حالة الركود الاقتصادي.
فقدان ثقة المستثمرين والمواطنين في مستقبل المدينة، أدى إلى عزوف كبير عن الشراء، وهروب رؤوس الأموال إلى الخارج، حيث لم تعد عدن بيئة آمنة للاستثمار.
هذه الظاهرة ترافقت مع انتشار الفساد في الدوائر الحكومية، وتعطل المشاريع التنموية، وغياب التخطيط الاقتصادي الفاعل.
حكومة بلا حلول… وصمت مخزٍ من مجلس القيادة الرئاسي
وسط هذه الأزمة الخانقة، تواصل الحكومة اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي نهج التجاهل والتقاعس، مكتفيين بإصدار بيانات جوفاء لا تسمن ولا تغني من جوع.
ورغم أن البنك المركزي اعترف بأن بعض الجهات ترفض توريد الإيرادات إلى حساب الحكومة، إلا أنه لم يتخذ أي إجراءات لمحاسبة المتسببين، ما يعكس حجم التواطؤ والفساد الذي ينخر في جسد الدولة.
الأسوأ من ذلك، أن الحكومة لم تطرح أي سياسات اقتصادية واضحة لمعالجة الأزمة، بل تحولت إلى كيان عاجز عن اتخاذ قرارات حقيقية لحماية الاقتصاد الوطني.
فيما يتساءل المواطنون: أين تذهب المساعدات الخارجية؟ ولماذا لا يتم ضبط الإيرادات المالية؟
الكهرباء في عدن… معاناة بلا نهاية
أزمة الكهرباء ليست وليدة اليوم، لكنها تفاقمت إلى حد غير مسبوق.
إذ لا تتجاوز ساعات التوليد اليومي ست ساعات فقط، موزعة على ثلاث فترات، ما جعل الحياة في المدينة شبه مستحيلة.
ومع ارتفاع درجات الحرارة، ازدادت المخاوف من كارثة إنسانية، خاصة في المستشفيات التي تحتاج إلى تيار كهربائي مستمر لإنقاذ الأرواح.
ورغم تصاعد الاحتجاجات الشعبية، لم تتحرك الحكومة لمعالجة الأزمة، بل بات المواطنون وحدهم في مواجهة مصيرهم، معتمدين على الطاقة الشمسية كحل مكلف وغير كافٍ.
الشرعية بين الفساد والتخاذل… ماذا بعد؟
منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في أبريل 2022، لم يشهد اليمن أي تحسن يذكر، بل ازدادت الأوضاع سوءًا.
إذ تحولت الشرعية إلى كيان فاسد يعيش على المعونات الخارجية، فيما يعاني المواطنون من الجوع والقهر.
وفي الوقت الذي كان يُفترض أن تكون الحكومة في مواجهة مليشيات الحوثي الإرهابية، تحولت إلى عبء آخر على الشعب اليمني، إذ لم تقم بأي جهود جادة لاستعادة مؤسسات الدولة، بل تركت المواطن فريسة للفقر والعوز.
المليشيات الحوثية… الوجه الآخر للمعاناة
في الجانب الآخر من الصراع، تواصل مليشيات الحوثي الإرهابية انتهاكاتها بحق اليمنيين، من خلال فرض الجبايات على المواطنين، وتجويع السكان في مناطق سيطرتها، وتحويل المساعدات الإنسانية إلى مصادر لتمويل حروبها.
حيث لم يعد خافياً أن الحوثيين يسعون إلى إطالة أمد الأزمة لضمان استمرار حكمهم القمعي، غير آبهين بملايين الجائعين والمشردين.
اليمنيون بين المطرقة والسندان
في ظل هذه الأوضاع الكارثية، لم يعد اليمنيون يملكون سوى الصبر على واقعهم المرير، إذ باتوا بين مطرقة مليشيات الحوثي الإرهابية وسندان الشرعية الفاسدة.
ورغم كل هذه المعاناة، لا يزال الشعب اليمني يقاوم، متمسكًا بأمل الخلاص من هذه الفوضى، لكن هذا الخلاص لن يأتي إلا عبر إرادة حقيقية لإنهاء الحرب، وتخليص اليمن من الفاسدين الانتهازيين الذين حولوا البلاد إلى ساحة للنهب والتجويع.
إرسال تعليق