صدى الواقع اليمني - كتب: محمد السفياني
ما يقوم به الرئيس الأمريكي دونالد ترامب يمثل نهاية لليبرالية الغربية، بل يمثل استحضارًا لواقع الشوفينية التي صاحبت الثورات الأوروبية الثلاث: الثورة الإنجليزية عام 1688، والثورة الفرنسية 1789، والثورة الروسية 1917. والشوفينية (chauvinism) في مدلولها الأصلي تعني الوطنية المفرطة، الغيورة والعدائية، والإعجاب المتعصب والحصري لدى الشخص بوطنه، والحمية العمياء للمجد السياسي والاقتصادي العسكري، والاعتقاد المتحمس بأن وطنه أفضل الأوطان وأمته فوق كل الأمم. ينسب اللفظ إلى جندي فرنسي أسطوري اسمه نيكولا شوفان، شديد الغيرة على فرنسا ومتفاني في القتال في جيش نابليون، إلا أنه أُهمِل وأصبح بعد ذلك يُضرب به المثل في السخرية.
لقد تميز الغرب بالليبرالية، خاصة في الولايات المتحدة. تجمع الليبرالية بين أفكار الحريات المدنية والمساواة ودعم العدالة الاجتماعية والاقتصاد. من الأشخاص البارزين الذين ساهموا في الليبرالية الغربية الكلاسيكية جون لوك، وجان بابتست ساي، وتوماس روبرت مالتوس، وديفيد ريكاردو. أما الليبرالية الصهيونية فمثلت غطاءً للاستيطان الاستعماري. ومنذ عهد ريجان تغير الوضع وأصبحت الولايات المتحدة تدعم الفوضى والثورات والانقلابات والحركات الشوفينية الشيعية والإسلام الراديكالي الأصولي. في عهد جورج بوش أصبحت أمريكا تدعم الفوضى الخلاقة، وهذا ما قامت به كوندليزا رايس في منطقة الشرق الأوسط.
ثم غيرت الولايات المتحدة استراتيجياتها من داعم للفوضى الخلاقة والثورات والانقلابات الفوضوية إلى استراتيجية استثمار الثورات والفوضى الخلاقة، وهو ما حدث فيما سُمي بالربيع العربي. كل هذا جعل الولايات المتحدة الأمريكية تفقد بريقها ومكانتها وثقة العالم بها، وبدت للعالم سوءتها خاصة في عهد ترامب الذي يمارس الشوفينية العلنية، حيث وصل ابتزازه إلى خطابات التهجير القسري وضم دول وأراضٍ إلى أرضه.
هذا يجعل الاتجاه شرقًا إجباريًا، وهنا تبرز بداية النهاية لإمبراطورية حكمت العالم لقرن وبداية إمبراطورية الشرق الصيني وربما الروسي إلى جانب الأولى. لكن الأخيرتين لم تقدما مشروعًا لكيفية إدارة العالم في حالة وصول الصين إلى كرسي إدارة العالم. الدولتان لازالتا تعملان بنظام شمولي، وليس هناك تعدد سياسي وديمقراطي دستوري يضمن الحرية وتبادل سلمي للحكم في بلديهما. فكيف يستطيع الفاقد أن يعد بعدل هو يفتقده؟ بل إنهما لم تقدما مشروعًا للعالم كيف يمكن إدارته بنظام متعدد الأقطاب دون وجود مشروع مقدم لدول العالم.
هذا يجعل التسابق والتنازع غير مطمئن لشعوب العالم، لأن المتسابقين غير مؤهلين لإدارة العالم بما فيهم أمريكا اليوم. نحن في زمن المطالبة بالشفافية والنزاهة، لكننا نرى أن مفاهيم العدل والمساواة تتراجع، وتزداد العنصرية، وتبرز النازية من جديد. أصبحنا أشبه بمسيحيي طربلة في نينوى العراقية. فبعد أن كان عدد المسيحيين في عهد صدام حسين مليون وخمسمائة ألف نسمة، لم يبق اليوم سوى 250 ألف مسيحي.
يقول الأب بيهنام بينوكا، من كنيسته في برطلة، البلدة النائية التي يحرسها جنديان ببندقيتي كلاشينكوف: "الأمر أصعب من أي وقت مضى. أصعب حتى من قبل داعش". مؤكدًا أن الشوفينية الشيعية يفتحون مكبرات الصوت على بيوتنا بهدف أذيتنا، في الوقت الذي معظمهم لا يصلون، مشيرًا إلى أنه إسلام ظاهري. إنهم يشغلون أجهزة الكاسيت لإسماعنا الخطب والأذان وهم غير موجودين، ولا يوجد سوى الجهاز الذي يشغل الخطب والأذان. إنها الأذية لم تعرفها طربلة حتى في عهد سيطرة داعش.
هذا يطرح سؤالًا: هل شوفينية الحكام هي ما أعاد التطرف اليميني إلى الحكم؟ وهل شوفينية ترامب تحاول إنقاذ الولايات المتحدة الأمريكية؟ أليس قد فاتها الكثير ولم تعد هناك قوة تتميز فيها على الصين؟ وهل الأسلوب الشوفيني الذي انتهجه ترامب مجدٍ ومفيد لأمريكا؟ أم يخسرها ما تبقى من حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية؟ فإن لم يلبِ مطالب حلفائه في أوروبا وفي الشرق الأوسط، فهل الاتجاه للعالم سيكون شرقًا؟ وهل يستطيع ترامب الصمود لأكثر من عام؟ وهل يستطيع أن يواجه ما أثاره من مشاكل؟ وهل بيده حل مشكلة الصراع حول إصلاح النظام العالمي الجديد؟ أم إن ما يحدث لا يعدو أن يكون مجرد تهديد لمن يطالب بتغيير النظام العالمي من القطب الأمريكي إلى نظام متعدد الأقطاب؟ وهل كل ما يحدث من أجل هذا؟ وإلى أي مدى ستظل أوروبا مرتبطة بالولايات المتحدة الأمريكية؟ وماذا يعني فك الولايات المتحدة الأمريكية من الارتباطات الدولية وإيقاف الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية (USAID)؟ وخروجها من منظمات الأمم المتحدة؟ ومن الاتفاقيات الدولية؟ فماذا بقي لها بعد ذلك سوى عجز الطرف الآخر أن يقدم نفسه ومشروعه لإدارة العالم؟ لكنه عجز عن سد الانحسار وسد الفراغ الذي بدأت مؤشرات تفكك وانسحاب الإدارة الأمريكية.
فهل من مدكر؟
إرسال تعليق