صدى الواقع اليمني - تقرير: حسين الشدادي
في تطور لافت يعكس عمق الأزمة الإنسانية والقانونية التي تعيشها محافظة تعز، أعلن القاضي صادق العبيدي، القاضي الجزائي الجسيم بمحكمة المواسط والمعافر، عن توقف عقد جلسات المحاكمة في القضايا الجزائية حتى إشعار آخر، وذلك بسبب تعذر استقبال السجناء في السجن المركزي نتيجة نقص التموين الغذائي وعدم قدرة إدارة السجن على توفير الحد الأدنى من الاحتياجات الأساسية للموقوفين.
يأتي هذا القرار على خلفية مذكرة رسمية صادرة عن رئاسة مصلحة التأهيل والإصلاح بتاريخ 9 فبراير 2025، والتي أكدت فيها أن السجن المركزي في تعز يعاني من أزمة خانقة في توفير الغذاء للنزلاء الجدد، ما جعله غير قادر على استقبال أي سجناء جدد في الوقت الراهن.
قرار المحكمة: حماية للحقوق أم شلل قضائي؟
أكد القاضي صادق العبيدي في الإعلان الصادر عن المحكمة أن القرار جاء حفاظًا على حقوق السجناء وضمان ظروف محاكمة عادلة، حيث أن استمرار المحاكمات مع عدم توفر أماكن احتجاز لائقة للسجناء يشكل انتهاكًا صارخًا لحقوق الإنسان والقوانين المحلية والدولية.
كما شدد القاضي على أن المحكمة ستتابع تطورات القضية عن كثب وستعلن عن استئناف الجلسات بمجرد تحسن الظروف، مؤكدًا أن العدالة لا يمكن أن تتحقق في ظل هذه الأوضاع المأساوية.
ويُتوقع أن يؤثر هذا القرار على عدد كبير من القضايا الجنائية، مما قد يؤدي إلى تراكم الملفات وتأخير الفصل في القضايا المنظورة أمام المحكمة، الأمر الذي قد يُفاقم من معاناة الضحايا وأسرهم، ويخلق حالة من التوتر المجتمعي بسبب تأخر تحقيق العدالة.
الأزمة المالية وإهمال السلطات: الأسباب الكامنة وراء الكارثة
بحسب مصادر مطلعة، فإن الأزمة في السجن المركزي ليست جديدة، بل تعكس تدهور الوضع المالي والإداري لمؤسسات الدولة في محافظة تعز، في ظل الحرب المستمرة وتداخل الصراعات السياسية والميدانية.
وتعاني المرافق الإصلاحية في تعز من ضعف الميزانيات التشغيلية، وغياب التمويل الحكومي اللازم لتغطية احتياجات السجناء الأساسية، بما في ذلك الغذاء والدواء والرعاية الصحية.
كما أشارت تقارير حقوقية إلى أن بعض السجون تعتمد بشكل كبير على التبرعات والمساعدات المقدمة من المنظمات الإنسانية، إلا أن هذه المساعدات غير كافية لسد الفجوة التمويلية الضخمة التي تعاني منها المؤسسات الإصلاحية، مما جعل الوضع يصل إلى مرحلة الشلل الكامل.
في السياق، يرى بعض المحامين والحقوقيين أن غياب المحاسبة والرقابة على الجهات المسؤولة عن إدارة السجون ساهم في تفاقم الأزمة، إذ لم يتم اتخاذ إجراءات فعالة لمعالجة المشكلات المالية التي تعاني منها إدارة السجن المركزي، ولم تقدم السلطات المعنية حلولًا عاجلة لتجنب الوصول إلى هذا الوضع المتأزم.
ردود فعل قانونية وحقوقية: مطالبات بحل عاجل
أثار القرار جدلًا واسعًا في الأوساط القانونية والحقوقية، حيث عبر محامون وناشطون عن قلقهم العميق إزاء تعليق المحاكمات، معتبرين أن ذلك قد يؤدي إلى انتهاك حقوق المتهمين، خاصة أولئك الذين ينتظرون المحاكمة في قضايا ذات طابع جنائي خطير.
وقال المحامي عبد الله السالمي، أحد المحامين المترافعين في قضايا جنائية بمحكمة المواسط، في حديث لـ"صدى الواقع اليمني":
"نحن أمام معضلة قانونية وإنسانية كبيرة، فقرار المحكمة يهدف إلى ضمان محاكمة عادلة، لكنه في الوقت ذاته يعطل سير العدالة، ما قد يؤدي إلى تراكم القضايا وتأخير الفصل فيها، وهو ما قد ينعكس سلبًا على الضحايا وأسرهم، كما قد يمنح بعض الجناة فرصة للإفلات من العقاب بسبب تعقيد الإجراءات القضائية في المستقبل."
أما الناشط الحقوقي وليد القباطي، فاعتبر أن القرار يكشف عن أزمة أعمق تتعلق بالإهمال الذي تعاني منه مؤسسات الدولة، داعيًا الحكومة إلى التدخل العاجل لمعالجة الأزمة.
وأضاف القباطي:
"السجون في تعز تعاني من إهمال كارثي، وهذا القرار ليس إلا نتيجة طبيعية لسياسات التقاعس عن تحمل المسؤولية.
على الحكومة التحرك فورًا لحل هذه الأزمة قبل أن تتسبب في كارثة إنسانية داخل مراكز الاحتجاز."
دعوات للتدخل العاجل: هل تتحرك السلطات؟
في ظل هذه التطورات، تصاعدت الدعوات الموجهة إلى الجهات المختصة، سواء في الحكومة الشرعية أو السلطة المحلية في تعز، للعمل على توفير حلول سريعة للأزمة الراهنة، من خلال تأمين ميزانية طارئة لتوفير الغذاء والاحتياجات الأساسية للسجناء و العمل مع المنظمات الدولية والمحلية لزيادة الدعم الإنساني المقدم للسجون، وإجراء تحقيق شفاف حول الأسباب الحقيقية وراء الأزمة، ومحاسبة المسؤولين عن الإهمال الإداري،
وتنفيذ إصلاحات عاجلة في قطاع السجون والتأهيل لضمان عدم تكرار مثل هذه الأزمات مستقبلاً.
عدالة مؤجلة أم انتهاك للحقوق؟
في ظل هذا الوضع المعقد، يبقى السؤال الأهم: هل ستتحرك السلطات لمعالجة هذه الأزمة بسرعة، أم أن السجناء سيظلون يعانون من الإهمال، بينما تتوقف عجلة العدالة؟
يبدو أن الأزمة الحالية تعكس تحديًا خطيرًا في منظومة العدالة داخل تعز، حيث تتقاطع الاعتبارات القانونية مع الأوضاع الإنسانية المتدهورة، ما يستوجب تحركًا عاجلًا لإنقاذ السجناء، وضمان استمرار المحاكمات، وتحقيق العدالة لجميع الأطراف.
إرسال تعليق