صدى الواقع - كتب: نبيل عبده الحمادي
منذ نشوء العديد من المنظمات الإنسانية الدولية في مختلف أنحاء العالم، تمثل مهمة الإنصاف الاجتماعي وتوزيع الموارد بشكل عادل من أبرز أولوياتها. ولكن في الآونة الأخيرة، تزايدت التساؤلات حول الشفافيةوالعدالة في توزيع المساعدات من قبل بعض هذه المنظمات، وتحديدًا في اليمن، حيث منظمة التضامن الدولية تواجه انتقادات واسعة بسبب استبعاد فئات الفقراء والمعدمين من كشوفات المستفيدين.
في الوقت الذي يتقاضى فيه الموظفون في هذه المنظمة رواتبهم من الدولة، وبعضهم يتمتع برواتب إضافية من المنظمة نفسها، إلا أن الأسماء التي تم استبعادها من كشوفات المستفيدين هي لأشخاص يعانون من الفقر المدقع ولا يملكون أي مصدر دخل ثابت. هذا الوضع يثير تساؤلات كبيرة حول الإنصاف والعدالة في توزيع المساعدات الإنسانية، ويضع المزيد من الضغوط على المنظمات الإنسانية التي تعمل في بيئات صعبة مثل اليمن.
تفاصيل القضية: استبعاد الفقراء والمساكين
في الأيام الأخيرة، ظهرت معلومات تفيد بأن موظفي منظمة التضامن الدولية الذين يتقاضون رواتب من الدولة، وهم مسجلون في المنظمة، حصلوا على رواتب لستة أشهر من المنظمة نفسها. بينما تم استبعاد أسماء الفقراء والمعدمين من كشوفات المستفيدين الذين هم في أمس الحاجة للمساعدات. هذه القضية أثارت ردود فعل غاضبة في أوساط المجتمع المدني، حيث عبر الكثيرون عن استيائهم من التفاوت الواضح في المعاملة بين المستفيدين الفعليين من المساعدات وبين بعض الموظفين في المنظمة.
إن استبعاد الفئات الأكثر حاجة من المساعدات في وقت تعاني فيه اليمن من ازمة إنسانية خانقة جراء الحرب المستمرة، يعكس خللاً في الية توزيع المساعدات ويضع علامات استفهام حول الشفافية و العدالة في أعمال المنظمات الدولية.
المنظمات الإنسانية وغياب الشفافية
تعد المنظمات الإنسانية الدولية من أكبر الجهات التي تقدم الدعم للفئات المتضررة في مناطق الصراع مثل اليمن، حيث تقوم بتوزيع المعونات الغذائية، الطبية، والمالية لمساعدة السكان المحليين في تجاوز الأزمة الإنسانية. ولكن مع مرور الوقت، بدأت تظهر العديد من المشاكل التي تعيق عمل هذه المنظمات، وأبرزها غياب الشفافية في عمليات توزيع المساعدات.
استبعاد الأسماء من كشوفات المستفيدين ليس ظاهرة جديدة، فقد واجهت العديد من المنظمات الدولية في اليمن انتقادات مشابهة في السنوات الماضية بسبب التلاعب في قوائم المستفيدين. في حالات عديدة، ثبت أن المساعدات لم تصل إلى مستحقيها، وأن الفساد الإداري داخل بعض المنظمات أو بين الشركاء المحليين قد أدى إلى استبعاد الفئات الأكثر ضعفًا.
تساؤلات حول الإنصاف والعدالة في عمل المنظمات
إن السؤال الأبرز الذي يطرح نفسه في هذه القضية هو: أين الإنصاف؟ وكيف يمكن للمنظمات الإنسانية أن تروج لمبادئها الأخلاقية العالمية، بينما يتم استبعاد الفقراء والمساكين من كشوفات المستفيدين؟ كيف يمكن للموظفين الذين يتقاضون رواتب من الدولة ومن المنظمة أن يحصلوا على مزايا إضافية في حين أن هناك أفرادًا لا يملكون حتى قوت يومهم؟
المجتمع المدني والدور الرقابي
يجب أن يكون المجتمع المدني في اليمن، بالإضافة إلى الهيئات الرقابية المحلية والدولية، شريكًا رئيسيًا في مراقبة آلية توزيع المساعدات الإنسانية. هناك حاجة ملحة إلى تعزيز الشفافية في جميع العمليات المتعلقة بالمساعدات، من خلال نشر التقارير العامة حول كيفية توزيع المعونات، وضمان أن الفئات الأكثر حاجة هي التي تحصل على الدعم.
من المهم أن تتضمن الآليات الرقابية آراء واحتياجات المجتمعات المحلية، وأن يُمنح الفقراء والمعدمون الأولوية في تلقي المساعدات التي تقدمها المنظمات الإنسانية وإذا لم يتم اتخاذ إجراءات صارمة في هذا الاتجاه، فإن العدالة الاجتماعية ستظل حلمًا بعيد المنال في مناطق النزاع.
دور الحكومة الشرعية والمنظمات الدولية
إن الحكومة الشرعية في اليمن مطالبة بدورها في ضمان العدالة في توزيع المساعدات، من خلال متابعة عمل المنظمات الإنسانية وضمان أن يتم صرف المعونات للمستحقين فقط. يجب أن تُصدر إجراءات تنظيمية واضحة تحدد آلية توزيع المساعدات، وتحظر التلاعب بالموارد المخصصة للفقراء.
أما المنظمات الدولية، فعليها أن تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية في ضمان وصول المساعدات إلى مستحقيها، وتطبيق آليات شفافة و واضحة في تحديد المستفيدين. يجب على هذه المنظمات أن تُجري تحقيقات مستقلة في جميع الحالات التي يتم فيها استبعاد الأشخاص المحتاجين، وتُعلن نتائج هذه التحقيقات بشكل علني.
إن قضية استبعاد الفقراء والمساكين من كشوفات المستفيدين في منظمة التضامن الدولية تطرح عدة تساؤلات حول الإنصاف و العدالة في توزيع المساعدات الإنسانية في اليمن. على الرغم من أن المنظمات الدولية تلعب دورًا حيويًا في تقديم الدعم في الأوقات الصعبة، إلا أن الفجوة بين المستفيدين الفعليين و الموظفين في بعض المنظمات تثير قلقًا كبيرًا، خاصة في ظل الظروف الإنسانية الصعبة التي يعيشها اليمن.
إن العدالة في توزيع المساعدات هي حق أساسي من حقوق الإنسان، ويجب أن يتم التأكد من أن المساعدات الإنسانية تصل إلى من يحتاجها بأسرع وقت ممكن. ومن خلال الشفافية و التعاون المشترك بين المجتمع المدني و المنظمات الدولية و الحكومة الشرعية، يمكن العمل على تصحيح هذه الفجوة وتحقيق الإنصاف في توزيع المعونات.
إرسال تعليق