صدى الواقع - كتب : محمد محمد السفياني
لم ينشغل العالم بالانتخابات الرئاسية الأمريكية كما اهتم وانشغل بانتخابات بايدن وترامب. فتوقف بايدن يعني توقف مبدأ ترومان، وهو مبدأ الرئيس الأمريكي الديمقراطي الثالث والثلاثين هاري ترومان (12 إبريل 1954م حتى 20 يناير 1953م). هذا الرئيس الذي أمر بإسقاط قنبلة نووية على هيروشيما فقتل 140 ألف إنسان، وبعدها بثلاثة أيام أمر بإسقاط قنبلة على ناجازاكي فقتل 74 ألف إنسان. ألم يقتل بايدن ونتنياهو أكثر من هذا العدد في فلسطين ولبنان وسوريا؟ وكما زعم ترومان، إن بلاده لم تعد قادرة على الوقوف مكتوفة الأيدي والسماح بالتوسع القسري للاستبداد السوفيتي في الدول الحرة المستقلة، وبدأ بتقديم المساعدات السياسية والعسكرية للدول التي تواجه الاتحاد السوفيتي. وهذا ما عمله بايدن في أوكرانيا، دعم مالياً وعسكرياً وسياسياً. كما قام بايدن بدعم إسرائيل وأرسل حاملة الطائرات هاري ترومان كرسالة تهديد، لكنه باء بالفشل ووقف العالم ضد المشروع الأمريكي الإجرامي.
أما مشروع ترامب، حيث يعد ثاني رئيس يعود للسلطة مرة أخرى بعد الخسارة، وقد سبقه الرئيس الثاني والعشرين غروفر كليفلاند. إلا أن ترامب يتعصب لمشروع أو مبدأ أيزنهاور، الرئيس الجمهوري الرابع والثلاثين (1953م/1961م)، ويحاول ترامب أن يقلد أيزنهاور باعتبار الأخير أفضل رئيس حكم الولايات المتحدة الأمريكية. فإذا كان أيزنهاور أمر بالانقلاب في إيران عام 1953م، فقد أشرف ترامب شخصياً على اغتيال قائد فيلق القدس الجنرال قاسم سليماني ورفيقه الجنرال أبو مهدي المهندس قائد الحشد في العراق. وإذا كان قد هدد أيزنهاور باستخدام الأسلحة النووية لإيقاف الحرب الكورية، فقد هدد ترامب بالسلاح النووي مثل أيزنهاور.
طلب أيزنهاور من الكونغرس الموافقة على تنفيذ قرار فورموزا عام 1955، فوافق له الكونغرس، والذي قدمت بموجبه الولايات المتحدة الأمريكية الدعم العسكري لدولة تايوان ومواصلة عزل جمهورية الصين الشعبية. وهذا ما يعمله ترامب اليوم، يفرض العقوبات على الصين من أجل وقف حجم النمو الاقتصادي الصيني بحجة أنه يهدد الاقتصاد والأمن القومي الأمريكي. وعندما أطلق الاتحاد السوفيتي قمر سبوتنيك في عام 1957م، أمر أيزنهاور بإنشاء مؤسسة ناسا. وهذا ما عمله ترامب عندما أعلنت روسيا عن صاروخ الفرط صوتي (أورشنيك)، أعلن ترامب عن صاروخ الذكاء الاصطناعي (ستار شيب) الفضائي الذي يعود إلى منصة الإطلاق، وهو إحدى إنجازات شركة سبيس إكس التابعة لإيلون ماسك. وكما انضمت ولايتان في عهد أيزنهاور هما هاواي وألاسكا، فإن ترامب يريد أن يضم كندا وجرينلاند ويسيطر على جمهورية بنما.
وهكذا يتضح أنه مهما تغير الرؤساء، فإن المشاريع تظل في تطور مستمر ودائم ولا تُلغى، كما هو حال المزاجية عند حكومات العالم الثالث. فإذا كان أيزنهاور عدل الدستور وحدد حكم الرئيس بفترتين، ها هو ترامب يعد في برنامجه بتعديل الدستور. وهناك مزايا لأيزنهاور مثل إدانة العدوان الثلاثي على مصر وأجبرهم على الانسحاب عام 1956م، فقد وعد ترامب في برنامجه الانتخابي بوقف الحرب في منطقة الشرق الأوسط وأوكرانيا. فهل يصدق بوعده؟ وكما أرسل أيزنهاور خمسة عشر ألف جندي أمريكي إلى لبنان لحماية الحكومة اللبنانية الموالية للغرب حتى لا تسقط بأيدي الثوار الناصريين، فهل سيرسل ترامب جيشاً لحماية الحكومة اللبنانية الجديدة؟ ومن من سيحميها؟ هل من الحليف الإسرائيلي أم من حزب الله بحجة محاربة المد الإيراني أم بحجة تنفيذ قرار مجلس الأمن الدولي؟ هذا ما ستخبرنا به الأيام المقبلة. فما أشبه اليوم بالبارحة، وما أشبه بايدن بترومان وترامب بأيزنهاور. فهل من مدكر؟
إرسال تعليق